تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يقدر الله حق قدره ولا يعظم الله حق عظمته حيث يسبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق فيكون فيها أولا نجس القلب متقذره بأقذار التشبيه فيدعو شؤم هذا التشبيه إلى أن ينفي صفة الخالق جل وعلا عنه بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق فيكون فيها أولا مشبها وثانيا معطلا ضالا ابتداء وانتهاء متهجما على رب العالمين ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق. واعلموا أن هنا قاعدة أصولية أطبق عليها من يعتد به من أهل العلم وهى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة ولاسيما في العقائد ولاسيما لو مشينا على فرضهم الباطل "أن ظاهر آيات الصفات الكفر" فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤول الاستواء (بالاستيلاء) ولم يؤول شيئا من هذه التأويلات ولو كان المراد بها هذه التأويلات لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيانها لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة فالحاصل أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد هذا الاعتقاد الذي يحل جميع الشبه ويجيب عن جميع الأسئلة وهو: أن الإنسان إذا سمع وصفا وصف به خالق السموات والأرض نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم امتلأ صدره من التعظيم فيجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة، بينه وبين صفات المخلوقين فيكون القلب منزها معظما له جل وعلا غير متنجس بأقذار التشبيه فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه صلى الله عليه وسلم على غرار (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). والشر كل الشر في عدم تعظيم الله وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق فيضطر المسكين أن ينفي صفة الخالق بهذه الدعوى الكاذبة.

ولأبد في هذا المقام من نقط يتنبه إليها طالب العلم:

أولا: أن يعلم طالب العلم أن جميع الصفات من باب واحد إذ لا فرق بينها البتة لان الموصوف

بها واحد وهو جل وعلا لا يشبه الخلق في شيء من صفاتهم البتة، فكما أنكم أثبتم له سمعا وبصرا لائقين بجلاله لا يشبهان شيئا من أسماع الحوادث وأبصارهم فكذلك يلزم أن تجروا هذا بعينه في صفة الاستواء والنزول والمجيء إلى غير ذلك من صفات الجلال والكمال التي أثنى الله بها كل نفسه.

واعلموا أن رب السموات والأرض يستحيل عقلا أن يصف نفسه بما يلزمه محذور أو يلزمه محال أو يؤدى إلى نقص. كل ذلك مستحيل عقلا. فإن الله لا يصف نفسه إلا بوصف بالغ من الشرف والعلو والكمال ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين على حد قوله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

الثاني: أن يعلموا أن الصفات والذات من باب واحد فكما أننا نثبت ذات الله جل وعلا إثبات وجود وإيمان لا إثبات كيفية مكيفة فكذلك نثبت لهذه الذات الكريمة المقدسة صفات إثبات إيمان ووجود لا إثبات كيفية وتحديد.

واعلموا أن آيات الصفات كثير من الناس يطلق عليها اسم المتشابه

وهذا من جهة غلط ومن جهة قد يسوغ كما يثبته الإمام مالك في أنس. أما المعاني فهي معروفة عند العرب كما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة.

كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة. واطرده في جميع الصفات لأن هذه الصفات معروفة عند العرب، إلا أن ما وصف به خالق السموات والأرض منها أكمل وأجل وأعظم من أن يشبه شيئا من صفات المخلوقين كما أن ذات الخالق جل وعلا حق والمخلوقون لهم ذوات وذات الخالق جل وعلا أكمل وأنزه وأجل من أن تشبه شيئا من ذوات المخلوقين.

فعلى كل حال. الشر كل الشر في تشبيه الخالق بالمخلوق وتنجيس القلب بقذر التشبيه فالإنسان المسلم إذا سمع صفة وصف بها الله أول ما يجب عليه أن يعتقد أن تلك الصفة بالغة من الجلال والكمال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينها وبين صفات المخلوقين فيكون أرض قلبه طيبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه على نحو (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير