تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الشرك انقطاع ما بين الله والعباد. فلا يبقى لهم معه أمل في مغفرة. إذا خرجوا من هذه الدنيا وهم مشركون. مقطوعو الصلة بالله رب العالمين. وما تشرك النفس بالله , وتبقى على هذا الشرك حتى تخرج من الدنيا - وأمامها دلائل التوحيد في صفحة الكون وفي هداية الرسل - ما تفعل النفس هذا وفيها عنصر من عناصر الخير والصلاحية. إنما تفعله وقد فسدت فسادا لا رجعة فيه! وتلفت فطرتها التي برأها الله عليها , وارتدت أسفل سافلين , وتهيأت بذاتها لحياة الجحيم!

أما ما وراء هذا الإثم المبين الواضح الظاهر , والظلم العظيم الوقح الجاهر. . أما ما وراء ذلك من الذنوب - والكبائر - فإن الله يغفره - لمن يشاء - فهو داخل في حدود المغفرة - بتوبة أو من غير توبة كما تقول بعض الروايات المأثورة الواردة - ما دام العبد يشعر بالله ; ويرجو مغفرته ; ويستيقن أنه قادر على أن يغفر له ; وأن عفوه لا يقصر عن ذنبه. . وهذا منتهى الأمد في تصوير الرحمة التي لا تنفد ولا تحد ; والمغفرة التي لا يوصد لها باب ; ولا يقف عليها بواب!

أخرج البخارى ومسلم - كلاهما - عن قتيبة , عن جرير بن عبد الحميد , عن عبد العزيز بن رفيع , عن زيد بن وهب , عن أبى ذر , قال: خرجت ليلة من الليالي , فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده , وليس معه إنسان. قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظل القمر. فالتفت فرآني. فقال:" من هذا. " فقلت: أبو ذر - جعلني الله فداك - قال:" يا أبا ذر تعال! " قال: فمشيت معه ساعة. فقال لي:" إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة , إلا من أعطاه الله خيرا , فيجعل يبثه عن يمينه وشماله وبين يديه ووراءه , وعمل فيه خيرًا ". قال: فمشيت معه ساعة , فقال لي:" اجلس ها هنا ". فأجلسني في قاع حوله حجارة. فقال لي:" اجلس هاهنا حتى أرجع إليك ":قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه. فلبث عنى , حتى إذا طال اللبث. . ثم إني سمعته وهو مقبل يقول:" وإن زنى وإن سرق " قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله - جعلني الله فداك - من تكلمه في جانب الحرة , ? فإني سمعت أحدًا يرجع إليك. قال:" ذلك جبريل , عرض لي جانب الحرة , فقال:" بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ". قلت أيا جبريل. وإن سرق وإن زنى ?. قال:" نعم ". قلت: وإن سرق وإن زنى ? قال:" نعم. وإن شرب الخمر " ". .

وأخرج ابن أبى حاتم - بإسناده - عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من نفس تموت , لا تشرك بالله شيئًا , إلا حلت لها المغفرة , إن شاء الله عذبها , وإن شاء غفر لها. إن الله لا يغفر أن يشرك به , ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". .

وأخرج ابن أبى حاتم - بإسناده - عن ابن عمر قال. " كنا - أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس , وآكل مال اليتيم , وقاذف المحصنات , وشاهد الزور. حتى نزلت: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فأمسك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة "!

وروى الطبراني - بإسناده - عن عكرمة , عن ابن عباس , عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله عز وجل: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي. ما لم يشرك بي شيئًا ".

وفي هذا الحديث الأخير لمحة كاشفة. . فالمهم هو شعور القلب بالله على حقيقته - سبحانه - ومن وراء هذا الشعور الخير. والرجاء. والخوف. والحياء. . فإذا وقع الذنب , فمن ورائه هذه السمات تؤهل للتقوى وتؤهل للمغفرة.

والشرك بالله - كما أسلفنا في هذا الجزء عند تفسير مثل هذه الآية من قبل - يتحقق باتخاذ آلهة مع الله اتخاذا صريحا على طريقه الجاهلية العربية وغيرها من الجاهليات القديمة - كما يتحقق بعدم إفراد الله بخصائص الألوهية ; والاعتراف لبعض البشر بهذه الخصائص. كإشراك اليهود والنصارى الذي حكاه القرآن من أنهم (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله) ولم يكونوا عبدوهم مع الله. ولكن كانوا فقط اعترفوا لهم بحق التشريع لهم من دون الله. فحرموا عليهم وأحلوا لهم. فاتبعوهم في هذا. ومنحوهم خاصية من خصائص الألوهية! فحق عليهم وصف الشرك. وقيل عنهم إنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا). فيقيموا له وحده الشعائر , ويتلقوا منه وحده الشرائع والأوامر.

ولا غفران لذنب الشرك - متى مات صاحبه عليه - بينما باب المغفرة مفتوح لكل ذنب سواه. . عندما يشاء الله. . والسبب في تعظيم جريمة الشرك , وخروجها من دائرة المغفرة , أن من يشرك بالله يخرج عن حدود الخير والصلاح تماما ; وتفسد كل فطرته بحيث لا تصلح أبدا:

ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا. .

ولو بقي خيط واحد صالح من خيوط الفطرة لشده إلى الشعور بوحدانية ربه ; ولو قبل الموت بساعة. . فأما وقد غرغر - وهو على الشرك - فقد انتهى أمره وحق عليه القول:

(ونصله جهنم. وساءت مصيرا!).

****************

فإلى معاني الدينونة الشاملة للخضوع لله وحده ولشريعته وحدها كما أفاض فيها الشهيد عليه شآبيب الرحمة

أبو حمزة الشامي

29 جمادى الآخرة 1425 هـ الموافق 17/ 8/2004 م

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير