ـ[احمد بن حنبل]ــــــــ[03 Sep 2005, 02:16 ص]ـ
الحلقة السادسة عشر
طالب العلم عليه أن يطلع على كتب الموضوعات , وهي المكذوبة المختلقة على النبي صلى الله عليه وسلم , لئلا يروج بعضها عليه , وكانت عناية المتقدمين بها فائقة , فالبخاري رحمه الله تعالى يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح , فمعرفة مثل هذه الأمور لئلا يغتر بها الناس , فكتب الموضوعات مثل: " الموضوعات " لابن الجوزي على تساهل في شرطه , حيث أدخل بعض الأحاديث التي لا تصل إلى درجة الوضع , فأحاديث ضعيفة كثيرة دخلت في الكتاب لا تصل إلى درجة الوضع , بل أحاديث حسنة دخلت بل صحيحة لكنها قليلة , يقول الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:
وأكثر الجامع فيه إذ خرج لمطلق الضعف عنى أبا الفرج
يعني ابن الجوزي. وهنا كتاب " اللآلئ المصنوعة " مأخوذ من " موضوعات " ابن الجوزي وغيره , وهو أقرب منه إلى الدقة في الحكم على الحديث بالوضع , وكتاب " الأسرار المرفوعة " لعلي قارئ , و " الفوائد المجموعة " للشوكاني , المقصود أن هذا الموضوع صُنف فيه كثيرا وعلى طالب العلم أن يعنى به.
أيضا يعنى بكتب علوم الحديث من أولها كتاب " المحدث الفاصل " للرامهرمزي , نعم الكتاب لم يستوعب باعتباره من اللبنات الأولى في التأليف في هذا الفن , وطبيعي أن أول شخص يؤلف يحصل عنده نقص ثم يُكْمِل فيما بعد , و" معرفة علوم الحديث " للحاكم كتاب نفيس يُعنى به طالب العلم , وإن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يهذب ولم يرتب قال في مقابل ذلك ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: إنه أول من هذب هذا العلم ورتبه , ابن حجر يقول: لم يهذب ولم يرتب , وابن خلدون يقول: أول من هذب ورتب , فهل في هذا تعارض؟ نعم فكيف يدفع مثل هذا التعارض؟ كلامهما صحيح يمكن تنزيله بأن:." لم يهذب ولم يرتب " بالنسبة لمن جاء بعده , فالذين جاءوا بعده أكثر ترتيباً وتهذيباً , لكن إذا نظرنا إليه بالنسبة لمن ألف في الفن قبله فهو " أول من هذب ورتب " على كلام ابن خلدون فلا تعارض.
ومن الكتب المهمة في الباب كتاب " الكفاية " للخطيب وفيه قوانين الرواية , كتاب مفيد ونافع , بالأسانيد , والخطيب له في كل باب وفي كل نوع من أنواع علوم الحديث مصنف خاص , حتى قال ابن نقطة: " كل من أنصف عرف أن أهل الحديث عيال على كتب الخطيب " , وإن ناله من ناله من بعض المتأخرين من أنه خلط هذا العلم وأدخل فيه أصول الفقه ومزج بينها وعلم أصول الفقه متأثر بعلم الكلام , كل هذا لا يحط من قيمة الكتاب ولا من إمامة مؤلفه , للخطيب بالمناسبة كتاب في غاية الأهمية لطالب العلم اسمه " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " كتاب يتعين على طالب العلم أن يطلع عليه , والتأدب بآداب أهل العلم , لما نرى من وجود شيء من الغلظة والجفوة بين طلاب العلم , لا أقول هذا موجود بكثرة لكنه موجود , فغالب طلاب العلم ولله الحمد أخذوا العلم من أبوابه وتحلوا بآدابه , لكن يوجد بين طلاب العلم من ينصح بقراءة مثل هذا الكتاب , فإذا قرأنا لمثل هذا الكتاب , وقرأنا " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر, و" فضل علم السلف على الخلف " لابن رجب , وطالب العلم عليه أن يقرأ مقدمة الخطيب لكتاب " موضح أوهام الجمع والتفريق " ليعرف كيف يتعامل مع الكبار , أيضا بعد " الكفاية " يقرأ " علوم الحديث " لابن الصلاح هذا الكتاب الذي لما كتبه ابن الصلاح جمع فيه غالب مؤلفات الخطيب , واطلع على كتب من تقدم: الرامهرمزي والحاكم وغيرها , من الكتب التي صنفت في هذا الباب , ورتب الباب ترتيباً بديعاً , وإن كان يحتاج بعض الأبواب إلى تقديم وتأخير لكنه جمع , فاشتغل الناس به فكان قطب رحى دار حوله الناس حتى قال الحافظ: " لا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر" , فالكتاب اختصر مرارا , وشرح مرارا , ونظم مرارا , نظمه كثير, وشرحه كثير , وعلق عليه , ونكتوا عليه وأيضا اختصروه , فهناك مختصرات للنووي وابن كثير وغيرهم , وهناك حواشي للحافظ العراقي , والحافظ ابن حجر , وبرهان الأبناسي , والزركشي وغيرهم.
¥