على حواف موجة التدين الجديدة تلك كانت هناك موجة عمل خيري آخذة في التشكل يغلب عليها الطابع النسائي، تبلورت حول الحاجة "ياسمين الخيام" وجمعيتها، وامتدت إلى نفس الشريحة من "النخب" النسائية والبناتية -إن جاز التعبير- في مناطق أخرى، لكنها لم تشكل ظاهرة إلا عندما ظهرت جمعيتا "رسالة" من ناحية، و"فاتحة خير" من ناحية أخرى، وقبل ذلك بزمن كانت اللجنة النسائية التابعة للجنة الزكاة بمسجد صلاح الدين بالمنيل بيئة أخرى للعمل الخيري الذي يقوم به المتدينون "الشيك"، كإحدى النقاط المتقدمة في العمل الخيري التقليدي، ومن ثم فإنها ما لبثت أن استقطبت بعض الشباب "الشيك" أيضا الراغب في العمل الخيري في موجاته الجديدة.
كانت "رسالة" و"فاتحة خير" هي الأطر الخيرية التي استوعبت الموجة الأولى من الشباب المتدين تدينا جديدا بعيدا عن السياسة .. موجة استمرت في التشكل 3 سنوات من عام 1996 إلى عام 1999، لا أستطيع أن أجزم أن هناك رابطا مباشرا وحقيقيا بين الأمرين، لكن بلا شك أن ما أحدثه ظهور "الشاب عمرو" في ساحة الدعوة من تأثير يشبه سقوط الحجر في الماء الراكد أثر في خلق دوامات تأثيرية من التدين الشبابي الجديد، وإذا كنا قد تناولنا هاتين الجمعيتين قبل ذلك؛ فلا بد لنا من تناول الموجة التالية الحالية من العمل الخيري الشبابي التي أرى أن لها رافدين:
- الأول وهو الرافد الأقوى: برنامج "صناع الحياة" الذي فتح أعين الكثير من الشباب المتدينين الجدد على التحول من مجرد التدين العبادي الفردي إلى التدين ذي الدور الاجتماعي.
- الثاني وهو الرافد الأقل بريقا: وهو بيئة عمل الخير الجديدة منها والقديمة، والتي شكلت أرضية وخلفية حافزة وحاضنة أحيانا والتي ألمحنا إليها في تتبعنا لجذور القافلة.
تعددت الأسماء والخير واحد
وباستعراض 5 نماذج من العمل الخيري الشبابي الجديد (وهي الجمعية المصرية للتنمية الإنسانية، وجمعية مشوار، وجمعية رحمة، ومساعدة. كوم، ونادي يللا شباب)، والتي لا يتجاوز عمرها العام الواحد، يمكن أن نخرج عليها بالملاحظات التالية:
- أنها تتشابه إلى حد كبير في أنشطتها وكأنها نسخ بالكربون.
- وتتشابه في طموحها الكبير على قلة إمكانياتها.
- وتتشابه في جرأتها في الانفتاح السريع على شبكة الإنترنت.
- أن تلك الأعمال تتسم في الغالب بالعفوية وقلة الخبرة.
- كما يعيبها النمطية الشديدة التي لا ترى آفاقا للعمل التطوعي أبعد مما كان يراه الأقدمون من الجمعيات الخيرية التقليدية بفارق وحيد في الفئة العمرية للمجموعة القائمة على العمل.
التدريب .. أحدث صيحة في العمل التطوعي
إلا أن بعض الإضافات النوعية بدأت تطرأ على تلك الموجة متمثلة في بعض الأعمال أو الجمعيات النوعية (مثل جمعية مصر شريان العطاء). ومن تلك الأعمال النوعية الجديدة التي لا يتعدى عمرها بضعة شهور "التدريب"، وأبرز أمثلته هو فريق "برنامج الفعالية الشخصية" الذي يقوم به بعض الشباب من أجيال أكبر من جيل موجة العمل الخيري الجديد، إلا أنهم ارتأوا أن الشباب الأصغر سنا في حاجة لمثل ذلك التدريب الذي يضمن لهم تحقيق النجاح سواء في أعمالهم التطوعية الخيرية أو في أعمالهم لكسب العيش، وقد أقام هذا الفريق 3 حلقات تدريبية بالتعاون مع جمعية مسجد رابعة العدوية، حضر فيها ألف شاب وفتاة، وكان يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 2004 هو حفل تخرج تلك الدفعات، والآن تنهال عليهم العروض لتكرار هذا البرنامج التدريبي التطوعي في العديد من النوادي والجمعيات. وفي الوقت نفسه بدأت جمعية رسالة تدخل نشاط التدريب كأحد أنشطتها الأساسية، وذلك من خلال مركز رسالة للتدريب، الذي بدأ بالأساس بالتدريب على برامج الكمبيوتر، وكذلك مهارات إعداد السير الذاتية والحضور الناجح للمقابلات؛ مما يساعد الشباب في الالتحاق بالأعمال لكسب العيش بشكل ناجح.
وإذا كان هؤلاء الشباب جميعا قد امتلأت جوانحهم بالحماس للعمل، وترجموا هذا الحماس بالفعل في شكل مؤسسات أهلية خيرية .. فهم بحاجة إلى استيعاب رسالة مفادها أن النهضة أو "صناعة الحياة" التي يرغبون في تحقيقها لا يحدثها العمل الخيري وحده؛ فسفينة الأمة بها ألف ثقب، تحتاج إلى أنماط متعددة من العمل التطوعي لسدها، وهو عمل لا يقل "ثوابا" بحال عما يقومون به من أعمال خيرية.
*المرجع: إسلام أون لاين