ويشترك مع الشياطين في عذاب السعير الذين كفروا بربهم قال تعالى " وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير" أي بئس المرجع والمئاب، فهم " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور" وإنما القوا في النار لأنهم وقودها، فيسمعون لها شهيقاً من الغيظ عليهم، لسوء أفعالهم، وتكذيبهم آيات خالقهم، تفور فوران المرجل، وهي فوق ذلك " تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" فكأنها تتقطع عليهم غيظاً، و "كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" سؤال توبيخ وتأنيب وترذيل (1)، ألم يأتكم نبي يحذركم الآخرة وينذركم هذا الموقف العصيب فيكون جوابهم " قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ "" فهم مع تكذيبهم للنذر، أنكروا أن يكون الله قد أنزل شيئاً، وقد اتهموا الرسل أنهم على غير الجادة والصواب، فكأنهم أسقطوا ما في أنفسهم من الضلال على غيرهم وظنوا أنهم المهتدون، العاقلون، فلما وقع بهم عذاب يوم القيامة علموا حقيقة جهلهم الأكيد "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " معترفين بجهلهم، ذلك لأن عقلهم ما دلتهم على الحق فكان وجودها كعدمها، وإنما ذكر العقل والسمع لأن تحصيل العلوم والمعارف إنما يكون بهما، فعلموا مآلهم" فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِم " من تكذيب للأنبياء، وكفرهم بالله ورسله "ْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ" فبعداً لهم من الله ورحمته (1)
فلا رجاء لهم في مغفرة، ولا إقالة لهم من عذاب، وهم أصحاب السعير الملازمون له، ويالها من صحبة ويا لها من مصير! (2)
علاقة الآيات بما قبلها:
لما ذكر الله تعالى دلائل قدرته، وآيات نعمه، بين الله جل جلاله مصير من كذب بآياته، وانكر قدرته.
ثالثا: (تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد)
ويشتمل على
1 - مصير أهل الإيمان
2 - علم الله لا يعجزه شيء
3 - من نعم الله على عباده
4.تهديد ووعيد
5.يوم القيامة آت لا محالة
ثالثاً: (تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد)
1. مصير أهل الإيمان
"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"
بعد أن ذكر الله ذلك الحوار، بين ملائكة الجبار وبين الكفار، وأن مآلهم إلى النار، ذكر مصير من استولت على قلبه خشية الله جل جلاله، فهو يعبده ولم يره، مؤمناً بالله غيباً، فكان جزائهم عند ربهم مغفرة لذنوبهم، وأجر كبير لا يحصيه عاد.
علاقة الآيات بما قبلها:
لما ذكر الله مصير الكفار، ذكر بعد ذلك مصير أهل الإيمان، ليظل المرء بين الخوف والرجاء، مبتعداً عن الكفر وأفعال الكافرين، ملازماً لأفعال المؤمنين وصفاتهم.
2. علم الله لا يعجزه شيء:
"َأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"
ثم يخاطب الله الخلائق أجمع، متحدياً لهم أنهم سواء اظهروا القول أو أخفوه فإنه يعلمه، بل هو مطلع على ما هو أدق من الكلام، فهو مطلع على ما تخفيه الصدور، وهو أعلم بمن اتقاه وخشيه، ومن عصاه ورفض أمره، ثم يسأل الله سؤالاً للإنكار (1) على المتشككين بقدرة الله وهم كفار قريش الذين تهامسوا، أن أخفوا بغضكم لمحمد ولا تجهروا به لئلا يسمعه رب محمد بقوله تعالى:" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" بل إن من خلق العباد أعلم بهم من غيرهم، حتى من أنفسهم، وهو اللطيف بعباده، لطف علمه بمعرفة ما في بواطن الأمور، والخبير الذي لا يعجز علمه شيء من خبايا الأمور وظواهرها على حد سواء، فالسر عنده إعلان.
علاقة الآيات بما قبلها:
لما ذكر الله مصير أهل الإيمان، أكد بعدها أن حقيقة القلوب الذي تشتمل على الإيمان يعلمها، فهو يعلم من أخلص وصدق، ويعلم من نافق وكذب.
3. من نعم الله على عباده
"وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"
¥