لما بين الله تعالى قدرته ولطفه وعلمه وأنه بكل شيء خبير، أتبع ذلك بذكر دلائل القدرة، وأثار فضله وامتنانه على العباد، فهو الذي جعل الأرض لينة سهله مسالكها، آمراً عباده أن يسافروا حيث استطاعوا من أقطارها، وأرجاءها للمكاسب والتجارات (1)
وعبر بالأكل هنا عن الإنتفاع بما أنعمه الله عليهم، لأنه الأهم والأعم (2)، وفي الآية دلالة على وجوب السعي للرزق والأخذ بالأسباب.
علاقة الآيات بما قبلها:
لما أظهر الله علمه ولطفه وأنه بكل شيء خبير، أمتن الله على عباده بمظهر من مظاهر هذا العلم واللطف والخبرة، ألا وهو تمهيد الأرض للسالكين، وذلك يدفع المتأمل إلى الإيمان بالله وحسن عبادته وشكره.
4. تهديد ووعيد
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
َ قال الله تعالى: أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ بعد أن ذكر الله أن هذه الأرض سهلت للسالكين، توعد الكافرين أن يجعل من الأرض نقمة بعد أن كانت نعمة، بخسفها فيغيبون في مجاهلها بعد أن كانوا على ظاهرها يتنعمون، واستخدم ذلك صيغة السؤال ليظهر لهم مدى عجزهم وافتقارهم إليه سبحانه.
ثم يسألهم مرة أخرى:" أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ " فهل أمنتم كذلك إن لم نخسف بكم الأرض أن نمطر عليكم السماء، فستعلمون صدق إنذاري لكم إن وقع العذاب بكم، ثم يوجههم الله جل جلاله إلى التأمل في مخلوق من مخلوقاته فيقول " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ "لعل ذلك يدفعهم إلى الإيمان بالخالق، فهلاً نظرتم إل الطير نظرات تأمل واعتبار، ولما كان الغالب عند الطير فتح الجناح قال تعالى صافات باسم الفاعل، ولما كان القبض متجدداً عبر عنه الفعل، فهل تفكرتم في ذلك، وتساءلتم من يمسك هذا الطير أن يقع، إنه الله الذي بكل شيء بصير، فلا يغفل عنه شيء، وكل واقع تحت بصره الذي أحاط بكل شيء.
يقول تعالى "أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ"
فمن من اعوانكم ينصركم من الله إن أنزل بكم عذابه، فالكافرون في جهل عظيم وضلال مبين، حيث أنهم اعتقدوا أن الألهة من دون الله تنفع أو تضر.
قال تعالى " أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" فإن أراد الله تعذيبكم بمنع الرزق عنكم، من يرزقكم من دون الله، ورغم وضوح الحقيقة إلا أن الكفار أصروا في تماديهم في الطغيان وفرارهم من الحق والإيمان.
قال تعالى:" أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ثم ضرب الله مثلاً للكافر وللمؤمن، فالكافر الذي تمادى في طغيانه وفر من الحق والإيمان، يمشي منسكاً وجهه فلا يرى الحق، فهل هو أهدى أم ذلك الذي انتفع بالحق فهو على صراط مستقيم لا اعوجاج في سيره.
¥