قال عياض معناه: (لايقبل قبول رضى وإن قبل قبول جزاء، وقيل يكون القبول بمعنى تكفير الذنب بهما، وقد يكون معنى الفدية أن لا يجد يوم القيامة فدى يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث أبي موسي الأشعري.
قال الشيخ محمد كبريت: ومن محاسن المدينة أنه لا يتمرد فيها أحد ويتجاوز الحد إلا عجل الله الانتقام منه، وأخذ من حيث يشعر من حيث لا يشعر.
وكان يقال: إن من أسماء المدينة الفضاحة، وذلك لأنه لا يكون بها شيء إلا وتتحدث به الألسنة وكان يقال: ما أضمرته الليالي أظهرته الأيام وما أسرته السريرة أظهرته الأسرّة للأنام:
وكيف يفوت هذا الناس شيء ... وما في القلب تبديه العيون
وقد توعد الله تعالى أهل المعاصي في المدينة بالوعيد الشديد فقال تعالى {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} قال الشيخ السعدي: وفى هذا دليل لنفي أهل الشر الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين فإن ذلك أحسم للشر وأبعد منه ويكونون {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} أي مبعدين حيث وُجدوا لا يحصل لهم أمن ولا يقر لهم قرار يخشون أن يُقتلوا أو يُحبسوا أو يُعاقبوا.
وهذه الأوصاف قيل لشيء واحد كما قال أبو رزين: (المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة هم شيء واحد يعني أنهم قد جمعوا هذه الأشياء والواو مقحمة كما قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام ...... وليث الكتيبة في المزدحم
أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة، وقيل كان منهم قوم يرجفون وقوم يتبعون النساء للريبة وقوم يشككون المسلمين، قال عكرمة وشهر ابن حوشب: (الذين في قلوبهم مرض) يعني الذين في قلوبهم الزنى.
قال طاووس: (نزلت هذه الآية في أمر النساء، وقال سلمة ابن كهيل نزلت في أصحاب الفواحش والمعنى متقارب، (والمرجفون في المدينة) قوم كانوا يخبرون المؤمنين بما يسوؤهم من عندهم فيقولون: إذا خرجت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم قد قتلوا أو هزموا، وأن العدو قد أتاكم قاله قتادة وغيره.وقيل كانوا يقولون أصحاب الصُّفَّة قوم عزاب فَهُم الذين يتعرضون للنساء، وقيل هم قوم من المسلمين ينطقون بالأخبار الكاذبة حبا للفتنة، وقد كان في أصحاب الإفك قوم مسلمون ولكنهم خاضوا حبا للفتنة، والإرجاف: إشاعة الكذب والباطل للاغتمام به فالإرجاف حرام لأن فيه أذية.
فدلت الآية على تحريم الإيذاء بالإرجاف؛ ومعني الآية:إن أصروا على النفاق لم يكن لهم مقام بالمدينة إلا وهم مطرودون ملعونون وقد فُعل بهم هذا فإنه لما نزلت سورة براءة جُمعوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يافلان قم فاخرج فإنك منافق ويافلان قم؛ فقام إخوانهم من المسلمين وتولوا إخراجهم من المسجد.
حتى مات والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم وتأخير وعيدهم ودل على أن من كان معك ساكنا بالمدينة فهو جار
خامساً:- إكرام أهل المدينة والأدب معهم وحسن الظن بهم
فقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها ما نقلته عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المدينة مهاجري ومضجعي فيها بيتي وحق على أمتي حفظ جيراني.
قال الشيخ محمد كبريت قال بعضهم:تأكدت وصيته صلى الله عليه وسلم بقوله (حقيق على أمتي حفظ جيراني) وقوله (لا يزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه.
ولم يخص جاراً دون جار، وفهم منه أن سكان بلده قريبهم وبعيدهم حاضرهم وغائبهم مليهم وعاجزهم على حد سواء في استحقاق الرعاية من حيث الجوار، وإنما التفاضل بالتقوى وحسن الأدب.
" فنسأل الله تعالى كما من علينا بنعمة الإسلام وخصنا بجوار نبيه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام أن يوفقنا لسلوك الأدب في هذا المقام وأن يرزقنا والمسلمين شفاعته في يوم الزحام وأن يلهم من ولي شيئا من أمورنا الرفق بنا وحسن القيام".
¥