تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونتيجة هذه التقنيات المعقدة، تولد التلقائية الشرطية، وهي التي تكفل للعمل الشعري، محتوى بالغ الكثافة. إن ما يدعى موسيقية الشعر، ليس ظاهرة صوتية بطبيعته، فموسيقية الشعر، تتولد من خلال ذلك (التوتر) الذي ينشأ حين نرى نفس الفونيمات الصوتية المتناغمة، تحمل أثقالا بنيوية متميزة. وبقدر ما يتعاظم حظ الفونيمات المتطابقة صوتيا من التنوع الدلالي والقاعدي والإنشادي، وبقدر ما يتضاعف ما نلحظه من القطيعة بين التكرار أو الوحدة على المستوى الصوتي، والتنوع أو التمايز على المستويات الأخرى - تتنامى موسيقية النص الشعري بالنسبة إلى المتلقي. فموسيقية النص الشعري، ليست خاصية مطلقة، وليست خاصية طبيعية محضة. فالوحدة الصوتية الأولى، ليست صوتا ذا طبيعة مادية معينة، وإنما هو ذلك الصوت الذي يحظى في لغة الفن بقيمة بنائية محددة.

يشمل مفهوم الإيقاع، ظاهرة التناوب الصحيح للعناصر المتشابهة، كما يشمل تكرار هذه العناصر، وهذه الخاصية من خواص العمليات الإيقاعية، نعنى بذلك خاصية التردد، هي بعينها ما يحدد معنى الإيقاع.

فإيقاعية الشعر، قد تعني التكرار الدوري لعناصر مختلفة في ذاتها، متشابهة في مواقعها ومواضعها من العمل، بغية التسوية بين ما ليس بمتساو، أو بهدف الكشف عن الوحدة من خلال التنوع، وقد تعني تكرار المتشابه، بغية الكشف عن الحد الأدنى لهذا التشابه، أو حتى إبراز التنوع من خلال الوحدة. والإيقاع في القصيدة، هو العنصر الذي يميز الشعر عن غيره.

ثامنا: الشعر يتكون من مجموع كلمات. وكلما كان النص أكثر أناقة وصقلا، كانت الكلمة أكثر قيمة، ودلالتها أكثر رحابة. فالمعجم لأي نص شعري، يمثل عالم ذلك النص، أما الكلمات التي يتكون منها، فهي التي تملأ فراغ ذلك العالم، ومن العلاقة بين كلا الجانبين، تتخلق بنية الوجود الشعري.

تاسعا: يحدد البولندي أوسترليتز مفهوم التوازي، كما يلي: كل شطرتين في البيت، يمكن اعتبارهما متوازيتين، إذا كانتا متطابقتين، فيما عدا جزءا واحدا، يشغل في كل منهما نفس الموقع تقريبا. فالتوازي يمكن النظر إليه، كضرب من التكرار، وإن يكن تكرارا غير كامل.

عاشرا: إن البنية الشعرية _والكلام دائما لـ، لوتمان_ تمثل آلية فنية شديدة المرونة والتعقيد معا، وإمكاناتها المتنوعة في حمل المعلومة ونقلها، تبلغ من التكثيف والاكتمال حدا، لا يمكن أن يقارن به في هذا المقام، أي إبداع آخر، تصنعه يد الإنسان. والنص الشعري، آلية جدلية عميقة ذات قوة طاغية للبحث عن الحقيقة، وتأويل العالم المحيط، ومحاولة التغلغل إلى داخله. ويختتم لوتمان قائلا: الفن ينفث الحرية في الأكوان، ويهز أحادية المعنى.

سيميائية الثقافة .. شعرية السينما

يرى يوري لوتمان، وبوريس أوسبنسكي أن ثمة لأية ثقافة، سمات نوعية، وأن الثقافة ليست نظاما عالميا على الإطلاق، بل هي نظام فرعي، يتشكل طبق نمط خاص، فهي لا تنظم كل شيء، وإنما تصوغ ميدان نشاط موسوما بخاصيات مميزة، وهي دائرة جزئية، أو مجال مقفل في مواجهة المجال الثاني، مجال اللاثقافة. أما الأمر المشترك الثاني بين مفاهيم الثقافة، فهو أن الثقافة في مقابل اللاثقافة، تبدو نظاما من العلامات، فهي نتاج الإنسان في مقابل الوجود الطبيعي، وهي نتاج أصول متفق عليها في مقابل النتاج التلقائي، أو غير المتعارف عليه، وهي القدرة على تكثيف الخبرة الإنسانية في مقابل الخاصية البدائية للطبيعة. أما الظواهر الثقافية، فهي أنظمة ثانوية مشكلة، وفق نماذج، وهو ما يوحي بطبيعتها الاشتقاقية في علاقتها باللغة الطبيعية.

أولا: يقول يوري لوتمان في مقالته «سيميائية السينما»، بأن الثقافة البشرية، تتحدث بلغات مختلفة. وتتجلى هذه اللغات في شكلين: صوتي وبصري. واللغة، نظام من العلامات المنتظمة، تقوم بوظيفة اتصالية (نقل المعلومات). أما الإشارة إلى العلامة في اللغة، فهي تؤدي إلى تعريفها، بأنها، نظام سيميائي. ولكي تقوم اللغة بوظيفتها الاتصالية، يتحتم أن يكون لها نظام من العلامات، جاهز للاستخدام. والعلامة، هي البديل التعبيري المادي للأشياء والظواهر والمفاهيم التي يستخدمها مجتمع ما في عملية تبادل المعلومات، فالسمة الأساسية للعلامة، هي قدرتها على القيام بوظيفة البديل. كما أن العلامات ليس لها وجود منفصل مستقل، بل هي توجد داخل أنظمة عضوية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير