تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وظيفة أخلاقية أو سياسية أو فلسفية أو اجتماعية، وبالعكس، فهو لكي يحقق دورا سياسيا معينا، ينبغي أن يؤدي وظيفة جمالية. إن تفكيك الوظائف الاجتماعية للنص، ووصفها، ينبغي أن يسبق تحليل التفاعل القائم بين هذه الوظائف، كما أن كسر هذا التعاقب يخالف المقتضيات الأساسية «التدرج من البسيط إلى المركب» للمنهج العلمي. ويعلن لوتمان عن اختياره للمنهج البنيوي السيميائي آلية للتحليل. وفيما يلي، نقدم مجموعة من أفكار لوتمان النقدية، حول تحليل النص الشعري:

أولا: أساس التحليل البنيوي، هو، النظر إلى النتاج الأدبي، باعتباره كلا عضويا متكاملا، فالنص في ضوء هذا التحليل، لا يتلقى كحاصل جمع آلي للعناصر التي تؤلفه، بل إن تفتيت هذه العناصر كل على حدة، يترتب عليه فقدان قوام العمل بأكمله، فكل عنصر لا يتحقق له وجود، إلا في علاقته ببقية العناصر، ثم في علاقته بالكل البنيوي للنص الأدبي. ولا يتحتم أن يدخل في حقيقة النص، كل ما يميزه ماديا، ذلك أن حقيقة النص، لا يبدعها، إلا، نظام من العلاقات والتقابلات ذات الدلالة، وبعبارة أخرى، لا يبدعها، إلا ما يندرج تحت بنية النتاج الأدبي.

ثانيا: يعني مفهوم «البنية»، توافر الوحدة العضوية، وقد لاحظ كلود ليفي شتراوس، هذه الخاصية، حيث كتب: «البنية ذات طابع عضوي، لأن علاقة العناصر المكونة لها، تقتضي أن يكون تغيير أي عنصر، يقود بذاته إلى تغيير بقية العناصر». وهنا ينبغي تحديد ما هو بنائي (عضوي)، وما ليس بنائيا في عناصر الظاهرة الأدبية موضوع الدراسة، لأن البنية، تمثل بذاتها، أنموذجا، فهي تتميز عن النص، بأنها أكثر تنظيما، وأكثر صحة، وأكثر حظا من التجريد. أما النص في علاقته بالبنية، فيتجلى كما لو كان تجسيدا أو إحداثا لها على مستوى معين، وبالتالي، فإن النص، هو الآخر، تدرجي، هذا التدرج في النظام الداخلي، يعتبر سمة جوهرية في بنية العمل الأدبي. والمفارقة بين النسق، والنص، ذات مغزى أساسي في دراسة كل التخصصات التي تدور في نطاق البنيويات. فالمقابلة بين النص والنسق، ذات طابع نسي، غير مطلق.

والظاهرة الأدبية الواحدة، يمكن أن تتجلى من بعض الجوانب، باعتبارها، نصا، ويمكن أن تتجلى من جوانب أخرى، باعتبارها نسقا، يحل شفرة النصوص التي تحتل مستوى أدنى. ومن الخطأ إقامة تناقض حاد بين مفهومي النص، والنسق. كما يستحيل حل شفرة النص الأدبي، دون علم بمفاتيح هذه الشفرة، فالنص والبنية يتبادلان التأثير كل في الآخر، ولا يمكن أن يتحققا، إلا ضمن هذه العلاقة التبادلية.

ثالثا:

اللغة مادة الأدب، فاللغة تمثل القوام المادي، تماما مثلما يمثل اللون بالنسبة للرسم، والحجر بالنسبة إلى النحت، والصوت بالنسبة للموسيقى، لكن طبيعة «المادية» في اللغة، تختلف عن المواد في الفنون الأخرى، فاللون والحجر، يظل خاملا من الناحية الاجتماعية، حتى يقع في يد الفنان. أما اللغة، فتمثل مادة من نوع خاص، وتتميز بفاعلية اجتماعية عالية، حتى من قبل أن تطولها يد الشاعر. وتعرف (اللغة) بأنها: «جهاز الإبلاغ الإشاري، الذي يحمل وينقل المعلومة».وفي قلب اللغة، يقع مفهوم «العلامة _ الإشارة» بوصفه العنصر الأكثر أهمية: «العلامة ذات جوهر ثنائي، تتجسد في تعبير مادي معين، يمنحها منظورها الشكلي، فهي تتمتع داخل حدود لغتها، بمعنى ما يكون ما يسمى مضمون تلك العلامة». وتقوم العلامة دائما على الاستبدال، ففي حركة العلاقات الاجتماعية، تتجلى باعتبارها بديلا للجوهر الذي تمثله. أما علاقة البديل بالمبدل منه، أو علاقة العبارة بالمحتوى، فتمثل، ما يسمى بـ «دلالة الرمز أو العلامة»، ولأن الدلالة، هي باستمرار، موقف ما، فإن العبارة والمحتوى لا يمكن أبدا أن يتجانسا، أو أن يكونا نفس الشيء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير