تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و بالتالي فهو يحاول تأسيس منظومته الفكرية على نقد تلك النصوص التراثية "التفسير، الاجتهاد، الاستنباط "، و التي يرى بأنها غيبت العقل و الوعي العلمي العربي و جعلت الثقافة العربية ككل تختزل في آلية تفسير النصوص و شرحها، حيث يقول:" هكذا تحددت قوانين إنتاج المعرفة في الثقافة العربية على أساس سلطة النصوص وأصبحت مهمة العقل العربي محصورة في توليد النصوص من نصوص سابقة"9. لقد أصبحت أقوال العلماء واجتهاداتهم نصوصا مشرعة وانحصرت بذلك مشروعية العقل العربي في مجال محدد وهو مجال توليد النصوص وشرحها، و قد استفحلت هذه الظاهرة لتشمل العلوم العربية برمتها، حيث يقول:" واقتصرت المؤلفات على أن تكون شروحا لمؤلفات سابقة و قد يوضع المتن في الهامش الجانبي و يتناول الشرح عبارة الأصل المشروح عبارة عبارة بشرحها اللغوي والفقهي و بيان ما غمض من شأنها ثم تكثر الشروح على الشروح، ولم تنج العلوم العقلية من المصير ذاته وصارت كتب علم الكلام المتأخرة شروحا على متن قديمة " 10.

ومما ساعد على تثبيت هذه الآلية و تعميقها في الفكر العربي إلى وقتنا الراهن هو نمطية الخطاب الديني المعاصر الذي يحاول تأصيل السلفية لخدمة أغراضه الايدولوجيا " وجعل الإسلام الإطار المرجعي الوحيد لكل معرفة ولكل ممارسة وسلوك" (11)، لمواجهة الآخر المسيحي الذي أصبح يشكل أحد طرفي المعادلة النهضوية، وقد استغل هذا الأخير موقف"الإطارالمرجعي الوحيد" ورسخ فكرة أن الإسلام هو العامل الأساس لتخلف العرب والمسلمين، و قد قامت الجماهير العربية باحتضان هذه الصورة السلبية وأعادت صياغتها في ذلك التشتت الفكري الذي شهده عصر النهضة العربي حيث انقسمت الساحة الفكرية إلى تيار علمي علماني و إلى تيار ديني إصلاحي.

ويرجع أبو زيد فشل النهضة العربية إلى غياب وعي علمي بالتراث و تعقد علاقتنا بالآخر، بالإضافة إلى إهدار التاريخية من السياق الثقافي العام. فالتاريخية كمفهوم إجرائي حسب أبي زيد يستطيع أن يحرر الفكر العربي من سطوة التراث وشمولية الفكر الديني، الذي اختزل العقل العربي في مفهوم ماضوي سلبه إمكانية التطور و التقدم.

فالخطاب الديني منذ عصر التدوين سطر طرائق خاصة في التفكير، وتعتبر القداسة والسلطة من أهم إفرازاته،لذلك فإن أبا زيد يبدأ من المسلمات التي رسخها الخطاب الديني التراثي و جعلها قواعد شرعية، وذلك بنسفها و إلغاء القداسة عنها و أول قاعدة يبدأ بها هي قضية"خلق القرآن".

فهو يرى بأن القرآن باعتباره خطابا إلاهيا لا يعني عدم قابليته للتحليل وفقا للمناهج العلمية الغربية،لأنه تجسد باللغة الإنسانية "العربية"،و بالتالي فهو نص تاريخي له وجوده الفعلي في الزمان والمكان، لذلك يجب علينا أن نفهم القرآن فهما مغايرا ومحايدا عما ورثناه، لأن الخطاب الديني المعاصر يهدف إلى ترسيخ الماضي في الحاضر كما هو، بالإضافة إلى أنه ضاق عن استيعاب الواقع المعاصر وعجز عن التعبير عت مشاكله، وبالتالي فإن تغيير واقعنا حسب أبي زيد مرهون بتغيير موقفنا من التراث، و بتجديد طريقة فهمنا للقرآن.

-محمد أركون:

الإسلاميات التطبيقية:

خطا نقد الفكر العربي والإسلامي بصفة عامة عند أركون خطوات نحو إقامة قطيعة معرفية مع الكتابات الإيديولوجية التي قرأت التراث، وذلك بإرساء أسس المناهج الغربية كتقنيات إجرائية تساعد على بتر الصلة مع التيارات السلفية العربية والثقافة السائدة، بغية إقامة منهج علمي حديث يتجاوز نظام الفكر المؤسس، و ذلك لتحقيق التغيير الاجتماعي و الفكري على حد السواء.

وفي هذا الإطار ينطلق محمد أركون من نقد الإسلاميات الكلاسيكية (الاستشراق) التي يرى بأنها تناولت الفكر العربي الإسلامي تناولا خارجيا وظيفيا لا يتعدى حدود الدراسة الشكلية البحتة، فهي لم تدرس ذلك الفكر من"خلال عملية انخراط ابستمولوجي كاملة " (12)، بهدف الوصول إلى مكامن الضعف في الثقافة العربية الإسلامية، وإيجاد الحلول المناسبة لتخطيها, و إنما كان هدفها هو تثبيت مركزية الفكر الغربي،"و من الواضح أن منهجية الاستشراق لا تؤدي في معظم الأحيان إلى تعرية المشاكل وآليات الهيمنة والتسلط السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية و هي تبدو في معظم الأحيان متواطئة مع الأرثوذوكسية و الفئات المهيمنة داخل هذه المجتمعات بالذات،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير