[في كتاب أصناف المغرورين.]
ـ[~*¤®©™§ [عاشقة القوافي] §™©®¤*~]ــــــــ[06 - 04 - 2007, 09:10 م]ـ
قال الشيخ الإمام العالم العامل حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الطوسى رحم الله وعفا عنه: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خير خلقة سيدنا محمد وآله وصحبه، هذا كتاب الكشف والتبيين فى غرور الخلق أجمعين. اعلم أن الخلق قسمان: حيوان وغير حيوان .. والحيوان قسمان: مكلف ومهمل .. فالمكلف من خاطبه الله بالعبادة وأمره بها .. ووعده الثواب عليها ونهاه عن المعاصى وحذره العقوبة ..
ثم المكلف قسمان: مؤمن وكافر .. والمؤمن قسمان طائع وعاص .. وكل من الطائعين والعاصين ينقسم قسمين: عالم وجاهل ..
ثم رأيت الغرور لازما لجميع المؤمنين المكلفين والكافرين. إلا من عصمه الله رب العالمين .. وأنا بحمد الله أكشف عن غرورهم وأبين الحجة فيه .. وأوضحه غاية الإيضاح. وأبينه غاية البيان بأوجز ما تكون العبارة .. وأبدع ما يكون من الإشارة.
والمغرورون من الخلق ما عدا الكافرين أربعة أصناف: صنف من العلماء .. وصنف من العباد .. وصنف من أرباب الأموال .. وصنف من المتصوفة.
غرور الكافر
فأول ما نبدأ به غرور الكافر، وهو قسمان: منهم من غرته الحياة الدنيا .. ومنهم من غره بالله الغرور .. أما الذين غرتهم الحياة الدنيا وهم الذين قالوا: النقد خير من النسيئة .. ولذات الدنيا يقين .. ولذات الآخرة شك!! .. ولا يترك اليقين بالشك .. وهذا قياس فاسد .. وهو قياس إبليس لعنه الله تعالى فى قوله: أنا خير منه .. فظن أن الخيرية فى النسب ..
وعلاج هذا الغرور شيئان
إما بتصديق وهو الإيمان .. وإما ببرهان.
أما التصديق فهو أن يصدق الله تعالى فى قوله (وما عند الله خير وأبقى) (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) .. وتصديق الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به .. وأما البرهان: وهو أن يعرف وجه فساد قياسه .. أن قوله: الدنيا نقد والآخرة نسيئة مقدمة صحيحة وأما قوله: النقد خير من النسيئة. فهو محل التلبيس .. وليس الأمر كذلك .. بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار .. والمقصود فهو خير .. وإن كان أقل منها .. فالنسيئة خير منه .. ومعلوم أن الآخرة أبدية .. والدنيا غير أبدية .. وأما قوله: ولذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك فهو أيضا باطل .. بل ذلك يقين عند المؤمنين ..
وليقينه مدر كان: أحدهما الإيمان والتصديق على وجه التقليد للأنبياء والعلماء كما يقلد الطبيب الحاذق في الدواء .. والمدرك الثاني: الوحى للأنبياء والإلهام للأولياء .. ولا تظن أن معرفة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمور الآخرة .. ولأمور الدنيا تقليد لجبريل عليه السلام .. فإن التقليد ليس بمعرفة صحيحة .. والنبي صلّى الله عليه وسلّم حاشاه الله من ذلك .. بل انكشفت له الأشياء .. وشاهدها بنور البصيرة .. كما شاهدت أنت المحسوسات بالعين الظاهرة ..
فصل فيمن يشاركون الكفار غرورهم
من المؤمنين بربهم
والمؤمنون بألسنتهم وعقائدهم إذا ضيعوا أمر الله تعالى وهى الأعمال الصالحة .. وتدنسوا بالشهوات .. وهم مشاركون الكفار فى هذا الغرور .. فالحياة الدنيا للكافرين والمؤمنين جميعا غرور: فأما غرور الكافرين بالله تعالى فمثاله: قول بعضهم فى أنفسهم بألسنتهم: إنه إن كان الله معيدنا فنحن أحق بها من غيرنا كما أخبر الله تعالى عنهم فى صورة الكهف حين قال: (ما أظن أن تبيد هذه أبداً، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً)
ما سبب هذا الغرور؟
وسبب هذا الغرور قياس من أقيسة إبليس لعنه الله تعالى .. وذلك انهم ينظرون مرة إلى نعم الله تعالى عليهم في الدنيا .. فيقيسون عليها نعم الآخرة، ومرة ينظرون إلى تأخير عذاب الله عنهم في الدنيا فيقيسون عذاب الآخرة كما أخبر الله تعالى عنهم (ويقولون فى أنفسهم لو لا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء .. فيزدرونهم ويقولون: (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) .. ويقولون: (لو كان خيراً ما سبقونا إليه) ..
وترتيب القياس الذى نظم فى قلوبهم أنهم يقولون: قد أحسن الله إلينا بنعم الدنيا .. وكل محسن فهو محب، وكل محب فهو محسن، وليس كذلك .. بل يكون محسناً ولا يكون محباً .. بل ربما يكون الإحسان سبب هلاكه على الاستدراج .. وذلك محض الغرور بالله عز وجل .. ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إن الله تعالى يحمى عبده من الدنيا كما يحمى أحدكم مريضه عن الطعام والشراب وهو يحبه) .. ولذلك كان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا، وإذا أقبل عليهم الفقر فرحوا .. وقالوا: مرحبا بشعار الصالحين، فقد قال الله تعالى: (فأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه) .. وقال تعالى: (أيحسبون أَنَّمَا نُمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون) .. الآية .. وقال تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملى لهم إن كيدى متين) .. وقال تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) ..
فمن آمن بالله تعالى يأمن من هذا الغرور ..
ومم ينشأ هذا الغرور؟
ومنشأ هذا الغرور الجهل بالله تعالى .. وبصفاته .. فإن من عرف الله تعالى فلا يأمن من مكر الله .. وينظرون إلى فرعون وهامان وثمود وماذا حل بهم .. مع أن الله تعالى أعطاهم من المال .. وقد حذر الله تعالى مكره فقال تعالى: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) .. وقال تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) .. وقال تعالى: (فمَهل الكافرين أمهلهم رويداً) .. فمن أولى نعمة يحذر أن تكون نقمة.