تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونقل أستأذنا هذا المنحى الأصيل إلى دراسة الشعر والشعراء , كما فعل في دراسة العلم والعلماء , فشعر الشاعر صورة عنه وعن عصره الذي عاش فيه؛ واهتم في هذا الباب على وجه الخصوص بفكرة " منازع الشعراء " والنمط الخاص لكل شاعر في التاتّي إلى فكرته وبناء صورته؛ فشعر امرئ القيس لا يمكن إلا أن تدرك أنه من بحر امرئ القيس , ولا ينفصل عن شخصيته وتفاصيل حياته وهواجسه وأفكاره وخواطره و دقائق تفاصيل العصر الذي عاش فيه , وقل مثل ذلك في شعر زهير والنابغة ,فشعر هؤلاء من الجاهليين له خصوصية العصر الذي عاشوا فيه بكل ماله من مكوّنات , وكذا القول في شعر حسان وابن رواحه , وابن المعتز وبشار و أبي نواس و أبي تمام والبحتري والمتنبي.

دراسة تطور تراكيب الكلام:

وقد عني استأذنا في هذا الجانب بفكرة شغلته كثيرًا وهي " دراسة تطور تراكيب الكلام في الشعر والنثر وفي كل ما يجري به اللسان " فكل نصٍ لابد أن يُرى عليه ميسم عصره؛ والوصول إلى هذا لا يتأتّى عند شيخنا من طريق الحدس الذي يشعر به كل أحد حين يعرف أن هذا من كلام الجاهليين وهذا من كلام العباسيين , أو أن هذا من كلام أهل زماننا , ولكنه لا يتم إلا بأن " تَكتشفَ العناصرَ التي تمََيّز بها كلامٌ من كلام , وتُحدّدَ بدقة عناصر التطوير التي تُداخِل اللسان , من جهة بناء الجملة , وتراكيب الكلام , وليست من جهة الفنون البلاغية فحسب , ... وإن كان الأمران لا يتباعدان " فدراسة الفروق في ذلك بين كلام أهل زماننا وكلام الأوائل ـ على سبيل المثال ـ لايمكن تحصيلها من النظر في ثوابت الكلام مثل أصول تصريف الكلمات والجمع والتصغير والنسب ونحوها , أو من المعجم اللفظي , ولكنّ صناعة الكلام والمتكلم إنما تتحقق في أخص صفاتها وسماتها في الإسناد الذي به يصير المتكلم متكلما؛ إذ لا يصنع المتكلمُ " الإسنادَ إلا بما في نفسه من معانٍ وصور وأخيلة وتراكيب ". (مراجعات في أصول الدرس البلاغي ص 20).

وقد نثر أستاذنا لهذا المنحى " إشاراتٍ شديدة الإيجاز لمايتجه إليه النظر في دراسة الفنون البلاغية , سواء كانت في كلام العلماء الذين استنبطوا , أو في كلام الشعراء والكتاب الذين أسسوا هذا البيان " و بَيَّنَ " أنّ هذا التطور ليس مرتبطًا بتطور الحياة العقلية فحسب , وإنما هو جزء منها وثمرة من ثمارها , وليس له مجال يؤخذ منه إلا هذا التغيير الذي يداخل الحياة العقلية , وأن مزاولة هذا المبحث أو ذاك تفتح أبواباً ومسالك للوصول إلى دقائقه , وأن ذلك لن يستقيم إلا بمزيد من الجهد والصبر والانقطاع , وأنه شاقٌ وأنه مكابدة , وليس في الدنيا شيء له قيمة إلا وهو مؤسس على المكابدة والصبر وطول الانقطاع , وأن الجيل الذي يقوم بذلك لابد أن ينزعَ نفسَه من خدمة علوم عدوّه الألدّ , وتطويع العربية لها , أو تطويعها للعربية , وأن يغرسَ نفسه كلَّها ووقته كلَّه وجهده كلَّه في هذا اللسان , وشعرَه وأدبَه , وما استنبطه علماؤه الذين انقطعوا له , وأن يبذل مثل ما بذل هؤلاء , وسيتضح هذا حين يكون منا من يبذل ما بذل عبد القاهر , والزمخشري وأبو الفتح وغيرهم , أمّا قراءة الملخصات من الثقافات المختلفة , وخلط هذا بذاك , كبائع الأعشاب المقوية؛ فهذا من اللغو والعبث والشعبذة ".

الإخلاص و الاتصال:

و واضح في كلام شيخنا ما أخذ به نفسه وحث عليه طلابه من أهمية الإخلاص في طلب العلم والانقطاع له وعمقِ الاتصال بتراث أمةٍ أنتجته عقولٌ صبرت وصابرت وكابدت وثابرت , في سبيل بناء المعرفة ونموها , وأن الحداثة الحقّة لا تكون إلا بالاندماج في هذا البناء المعرفي فهما ً وتحليلاً وتمثّلاً و وعيا ً قادراً على أن يضيف إليه شيئاً جديداً لا يتسق معه فحسب؛ بل يتّحد على نحو ما تتحد الأعضاء في الجسد الواحد , إن هذه الوحدة العضوية في بناء المعرفة وصناعتها , تجعل المعرفة كائناً حياً ناميأً نمواً داخلياً لا يلغي تأثره بالعوامل الخارجية واسترفاده لها , ولكنه يرفض كل نشاز في شكله ومضمونه.

تشاجر العلوم:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير