تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن أهم ملامح منهج شيخنا ـ وهو ذو علاقة قوية بما سبق ـ تأكيده على ما يمكن أن نسميه " تشاجر العلوم "؛وأخذ بعضها عن بعض , وهي فكرة أدركها سلفنا؛ فطبقوها عمليًا حين وجدنا العالم منهم يكاد يكون متخصصاً في أكثر من علم , وإن غلب عليه التفرد في علم أو أكثر من تلك العلوم , وقد كان لهذه الرؤية الشاملة في تلقّي العلم ومدارسته أثرٌ واضح في إثراء تجاربهم العلمية , وغنى مؤلفاتهم , وسعة أفقهم , ورسوخ قدمهم في مسالك الأفكار ودقة نظرهم في ما تقصد إليه الأبصار.

ومن هذا الباب كان احتفاء شيخنا بضرورة النظر الشامل إلى التراث العربي الإسلامي, في علومه المختلفة , نظرًاً يتتبع الصلات والوشائج التي تقِفُك على تشاجر العلوم وكونها تسقى بماء واحد؛ وتلتقي وتتحد في منهج واحد وإنْ بَدَتْ في الظاهر علومًا متعددة؛ فاستنباط عبد القاهر في البلاغة من كلام من تقدموه مثل سيبويه وغيره , إذا ما استطعت أن تتغلغل في كيفية عمل عقله فيه وطريقة تهديه إلى ما استخرجه من علم جديد ـ في ضوء منهج الاستنباط في التراث الفقهي ـ فقد هديت إلى منهج متكامل ٍ " من الدرس والفهم والتدقيق والتمحيص , وقد كان هذا المنهج بتكاليفه الصعبة ظاهرًا ظهورًا بيّنًا في كلام عبد القاهر ". (مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني ص3,4).

وشيخنا كَلِفٌ جدًا بفكرة صناعة المعرفة و امتدادها؛ لتشمل كافة العلوم والمعارف والفنون العربية؛ فهو واثق أنّ " أمثال سيبويه والخليل وأبي عليّ والسيرافيّ ومن في طبقتهم من الفقهاء ينطوي علمهم على بابٍ جليلٍ وهو بيان كيف كانوا يستخرجون علومهم ".

الدين والأدب:

و وَصْلُ علومِ الأدب بعلوم الدين من هذا الوجه يؤكد حقيقةً يؤمن بها شيخنا وهي " أن الثقافة والدين وجهان لحقيقة واحدة ". و " أنّ العلوم التي استنبطها علماء الإسلام في اللغة والأدب هي دين في صورة علم , وأنّ الثقافة النصرانية والآداب النصرانية هي (نصرانية) في صورة معرفة , وأنّ شيوع علوم النصرانية في ديار الإسلام هي طلائع تبشير , وأن تغييب علوم الإسلام في ديار الإسلام هو تغييبٌ للإسلام ". (مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني ص 7,6).

كيف تنهض الأمم:

وممّا لم يَخْلُ منه كتابٌ من كتب شيخنا ـ تنبيهُهُ على أنّ من " الحقائق المقررة أنّ نهضاتِ الأمم لا تكونُ إلا بعقولِ أبنائها, واجتهاداتِهم الخلّاقةِ, وأنّ تجديد العلوم والمعارف ليس له إلّا طريقٌ واحدٌ, وهو أنْ نُعْمِلَ عقولَنا في هذه العلوم والمعارف ,وأنْ نستخرجَ مضموناتِها المضمراتِ في كلماتها, أو التي هي مندسّةٌ مُبْهَمةٌ في نفوس كاتبيها ,غمغمتْ بها آثارهم غمغمةً تائهةً, لا يلتقطها إلا الباحث الدَّرِب ". (القوس العذراء وقراءة التراث ص 5).

وقد حرص شيخنا في غير موضعٍ من كتبه على بثِّ هذه الحقيقة ,مؤكِّدًا على أنه " لم تُعْرَفْ أُمّةٌ بَنَتْ حضارتَها بعقول غيرها, ولا جدَّدَتْ معارفَها بمعارف غيرها ". وأنّه لن يكون هناك نموٌ معرفيٌّ إلّا " إذا كان الامتدادُ امتدادًا من داخل الحياة الفكرية والأدبيّة ,يتناسلُ بعضُهُ من بعض, كما يتناسلُ جيلٌ من جيل ,ولن يكون هناك تطوّرٌ إلا إذا استُخرِجتْ هذه المرحلةُ مما قبلها ,ولنْ يتمَّ هذا إلا إذا دارتْ عقولُنا وقلوبُنا في هذا الفكر الذي بين أيدينا ,ودارتْ به, وعانَتْ تحليلَهُ و الاستنباطَ منه, وكانت هذه المادةُ هي مادة الدرسِ في حلقات العلم في كل جامعة ,ومادة النظر بين يديّ كلِّ كاتبٍ ". (القوس العذراء وقراءة التراث ص 6,5).

أبو موسى ودراسة النص:

وقد تعدد احتفاء شيخنا بالنص البلاغي العلمي والأدبي, وتنوّع تنوّعًا أثرى دراساته وكتبه؛فقد شملت كتبه دراسة النصوص البلاغية ونصوص العلم وكان يقصد فيها إلى تمييز مراتب الكلام, من النص العالي المعجز ,إلى كلام المقتدرين من ذوي اللسن؛ فقام بعضها على دراسة النص القرآني وما يتّصل به ,كما ترى في كتابه (البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية) وكتابه (من أسرار التعبير القرآني، دراسة تحليلية لسورة الأحزاب) ,وكتابه (الإعجاز البلاغي) ومباحثَ من كتابه (دراسة في البلاغة والشعر) ,وقامت بعضُها على دراسة الحديث الشريف كما تجد في كتابه (شرح أحاديث من صحيح البخاري , دراسة في سمت الكلام الأول) , ومباحث

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير