وأول من يستفتح باب الجنة محمد - صلى الله عليه وسلَّم -، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته.
فصلٌ في الشفاعة
ولَه - صلى الله عليه وسلم - في القيامة ثلاث شفاعات: أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضي بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء، آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه.
وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.
ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة.
وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء. وفي العلم الموروث عن محمد - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه وجده.
فصل في القدر
وتؤمن الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره. والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين.
فالدرجة الأولى الإيمان بأن الله تعالى عليم بالخلق وهم عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فأول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال ما أكتب؟ قال أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. جفت الأقلام وطويت الصحف كما قال تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} وقال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات فيقال له اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ونحو ذلك فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديماً ومنكروه اليوم قليل.
وأما الدرجة الثانية: فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم ينشأ لم يكن، وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه لا يكون في ملكه ما لا يريد. وأنه سبحانه على كل شئ قدير من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه. ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته. وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد.
والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلى والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وقدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى: " لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ".
وهذه الدرجة من القدر ضلَّ فيها طائفتان من الناس:
فكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مجوس هذه الأمة، فقد أخرج أحمد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (لكلِّ أمَّةٍ مجوس، و مجوسُ أمَّتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم و إن ماتوا فلا تشهدوهم).
وغلا فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها.
فصل في أنَّ الايمانَ قولٌ وعملٌ
¥