تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الذين ذهبوا الى الترجيح فقد تمسكوا بظاهر النهي، وحملوا المراد بالنعال على العموم ولم يخصوها بالسبتية، فقد نقل ابن القيم (3) أن الامام أحمد قال عن اسناد هذا الحديث الذي فيه النهي: انه جيد، وأنه يذهب اليه الا من علة.

وقال ابن القيم عن تعارض الحديثين (4): “وأما معارضته بقوله - صلى الله عليه وسلم - “انه يسمع قرع نعالهم” فمعارضة فاسدة فان هذا اخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالواقع، وهو سماع الميت قرع نعال الحي، وهذا لا يدل على الاذن في قرع القبور والمشي بينها بالنعال، اذ الاخبار عن وقوع الشيء لا يدل على جوازه ولا تحريمه ولا حكمه، فكيف يعارض النهي الصريح به”.

والى قريب منها ذهب ابن حجر (5) - رحمه الله - فقال بعد حكايته الحديث: واستدل به على جواز المشي بين القبور ولادلة فيه. ... وقال أيضا: وأما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء فإنَّه متعقَّب بأنَّ ابن عمر كان يلبس النِّعال السِّبْتيَّة ويقول: إنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - كان يلبسها، وهو حديثٌ صحيحٌ (1).

قلت: ولا يمنع كون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس هذه النعال في حياته المعتادة أن ينهى عنها عند دخول المقابر، لأنه لا يتلاءم مع ما يجب أن يكون عليه المؤمن من خشوع وخضوع وتواضع، لذا أراني أميل الى رأي الخطابي مع هذه الملاحظة التي ربما فاتت البعض من العلماء وبنه عليها النووي (7). وبهذا يزول التعارض دون الحاجة الى أهمال أحد الحديثين.

ويلتحق بهذا المطلب وجود التعارض في القول الواحد، أي في الحديث نفسه كما زعم من ادعى التناقض على الأحاديث، ومثاله ما أورده ابن قتيبة عندما قال (8): “قالوا حديث يفسد أوله آخره، قالوا: رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: “اذا قام أحدكم من منامه

(3) تهذيب سنن أبي داود: 4/ 343،

(4) نفس المصدر: 4/ 345.

(5) فتح الباري: 3/ 206.

(1) اخرجه البخاري،الوضوء /30 غسل الرجلين في النعلين:1/ 50، واللباس/ 37 النعال السِّبتِيَّة: 7/ 48، ومسلم، الحج / الإهلال من حيث ينبعث الراحلة:2/ 844، وأبو داود، المناسك / في وقت الإحرام:2/ 150 رقم (1772)، وغيرهم في سياق حديثٍ طويلٍ.

(7) المجموع: 5/ 313، ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه النعال لما فيها من الخيلاء، فأحب - صلى الله عليه وسلم - أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ولباس أهل الخشوع.

(8) تأويل مختلف الحديث: 88 - 89.

فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا، فانه لا يدري أين باتت يده” (9) قالوا: وهذا الحديث جائز لاولا قوله فانه لا يدري أين باتت يده، وما منا أحد الا وقد درى أن يده باتت حيث بات بدنه، وحيث باتت رجله، وأذنه، وأنفه وسائر أعضائه، وأشد الأمور أن يكون مس بها فرجه في نومه، ولو أن رجلا حس فرجه في يقظته لما نقض ذلك طهارته فكيف بأن يمسه وهو لا يعلم، والله لا يؤاخذ الناس بما لا يعلمون.

فالمعترضون على هذا الحديث كما يظهر اعترضوا على أمرين، وجدوا أنهما غير معقولين.

أولهما: قوله - صلى الله عليه وسلم -: “أين باتت يده” حيث فهموا منه أن جسمه يبات في مكان ويده في مكان آخر، ولهذا أوردوا الاعتراضات التي تبين ذلك حيث جاء: وما منا أحد الا وقد درى أن يده باتت حيث بات بدنه وحيث باتت رجله. وهذا الاعتراض منقوض بالروايات الأخرى عند ابن خزيمة (10) والدارقطني (11) بزيادة لفظه منه، فقد قال ابن خزيمة (12): باب ذكر الدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انما أراد بقوله: “فانه لا يدري أين باتت يده منه”، أي أنه لا يدري أين باتت يده من جسده، ثم روى الحديث ولفظه: “اذا استيقظ احدكم من نومه فلا يغمس يده في انائه، أو في منوئه حتى يغسلها فانه لا يدري أين باتت يده منه”. واسناده في هذا الحديث صحيح. فبهذا ينتقض الاعتراض الأول.

وثانيهما: انه يفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - أين باتت يده، أي على أي جزء من أجزاء جسمه وهذا لا يوجب غسلا لليد، لأن أقصى ما يمكن أن تمسه الفرج، ويرى المعترضون أن الوضوء من مس الفرج في اليقظة لا يوجب غسلا لليد أو وضوءا فكيف بالنوم وهو مقام احتمال ليس الا؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير