ثم قال العنبري: {فالواجب في الكفر البواح وهو الكفر المجمع عليه التكفير، والتوقف عنه إرجاء خطير}.
أقول: الكفر البواح هو كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم: ما عليه برهان من الكتاب والسنة والإجماع يأتي به بعد الاستدلال بالكتاب والسنة، نعم إذا كان الدليل محتملاً فهذا لا يجزم بأحد الاحتمالات من غير مرجح، أما إذا كان الدليل نصًا فهذا هو البرهان الذي لا يُعدَل عن القول بموجبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((عندكم فيه برهان)).
والعلماء المعتبرون مجمعون على تكفير من كفره الله ورسوله، ولا يقولون بخلاف ذلك ولا عبرة بمن خالفهم.
ثم جاء في الكتاب المذكور في حاشية (ص27): {التبديل في الحكم في اصطلاح العلماء هو:الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله، كمن حكم بالقوانين الفرنسية وقال:هي من عند الله أو من شرعهِ تعالى، ولا يخفى أن الحكام بغير ما أنزل الله اليوم لا يزعمون ذلك، بل هم يصرحون أن هذه القوانين محض نتاج عقول البشر القاصرة، والتبديل بهذا المعنى الذي يذهب إليه أهل الغلو كفر بإجماع المسلمين)) كذا قال.
ونقول: هذا التبديل الذي ذكرت أنه كفر بإجماع المسلمين، هو تبديل غير موجود، وإنما هو افتراضي من عندك، لا يقول به أحد من الحكام اليوم ولا قبل اليوم، وإنما هناك استبدال هو اختيار جعل القوانين الوضعية بديلة عن الشريعة الإسلامية، وإلغاء المحاكم الشرعية، وهذا كفر أيضًا، لأنه يزيح تحكيم الشريعة الإسلامية وينحيها نهائيًا، ويُحل محلها القوانين الوضعية، فماذا يبقى للإسلام؟! وما فعل ذلك إلا لأنه يعتنقها ويراها أحسن من الشريعة، وهذا لم تَذكره، ولم تبين حكمه، مع أنه فصل للدين عن الدولة، فكان الحكم قاصر عندك على التبديل فقط، حيث ذكرت أنه مجمع على كفر من يراه، وكان قسيمه وهو الاستبدال، فيه خلاف حسبما ذكرت، وهذا إيهام يجب بيانه.
ثم قال العنبري في رده على خصمه: {أنه يدعي الإجماع على تكفير جميع من لم يحكم بغير ما أنزل الله بجحود أو غير جحود}.
وأقول: كفر من حكم بغير ما أنزل الله لا يقتصر على الجحود، بل يتناول الاستبدال التام، وكذا من استحل هذا العمل في بعض الأحكام ولو لم يجحد، أو قال: إن حكم غير الله أحسن من حكم الله، أو قال: يستوي الأمران، كما نص على ذلك أهل العلم، حتى ولو قال: حكم الله أحسن ولكن يجوز الحكم بغيره، فهذا يكفر مع أنه لم يجحد حكم الله وكفره بالإجماع.
ثم ذكر الكاتب في آخر كتابه هذا: أن هناك فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، يُكَفِّر فيها من حكم بغير ما أنزل الله مطلقًا ولا يفصل فيها، ويستدل بها أصحاب التكفير على أن الشيخ لا يفرق بين من حكم بغير شرع الله مستحلاً ومن ليس كذلك، وأن الشيخ ابن باز سُئل عنها فقال: محمد بن إبراهيم ليس بمعصوم فهو عالم من العلماء .. إلخ ما ذكر.
ولم يذكر العنبري نص فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم التي أشار إليها، وهل قُرئ نصها على الشيخ ابن باز أو لا؟!، ولا ذكر المرجع الذي فيه تغليط الشيخ ابن باز لشيخه، وإنما نقل ذلك عن مجلة الفرقان، ومجلة الفرقان لم تذكر نص فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، ولم تذكر في أي كتب الشيخ ابن باز تغليطه لفتوى شيخه، ولعلها اعتمدت على شريط، والأشرطة لا تكفي مرجعًا يُعتمد عليه في نقل كلام أهل العلم، لأنها غير محررة، وكم من كلام في شريط لو عُرِضَ على قائله لتراجع عنه، فيجب التثبت فيما ينسب إلى أهل العلم.
هذا بعض ما ظهر لي من الملاحظات على الكتاب المذكور، وعلى غيره ممن يتكلمون ويكتبون في هذه الأصول العظيمة التي يجب على الجميع الإمساك عن الخوض فيها، والاستغناء بكتب العقائد الصحيحة الموثوقة التي خلفها لنا أسلافنا من أهل السنة والجماعة، والتي تدارسها المسلمون جيلاً بعد جيل في مساجدهم ومدارسهم، وحصل الاتفاق عليها والاجتماع على مضمونها، ولسنا بحاجة إلى مؤلفات جديدة في هذا.
وختامًا نقول: إننا بريئون من مذهب المرجئة، ومن مذهب الخوارج والمعتزلة، فمن كفره الله ورسوله فإننا نكفره، ولو كرهت المرجئة، ومن لم يكفره الله ولا رسوله فإننا لا نكفره، ولو كرهت الخوارج والمعتزلة، هذه عقيدتنا التي لا نتنازل عنها ولا نساوم عليها ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا نقبل الأفكار الوافدة إلينا، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[أبو غازي]ــــــــ[29 - 07 - 05, 01:21 ص]ـ
جزاكم الله خيراً.
ـ[الليث السكندري]ــــــــ[02 - 11 - 05, 08:35 ص]ـ
جزاكم الله خيرا