تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلابد إذا باع طعاماً من تمر أن يماثله بصاعٍ مثله، فلو باعه الصاع بالصاعين أو الصاع بالصاع والنصف، فهذا هو الربا الذي حرم الله، وهو ربا الفضل.

اشتراط التماثل والتقابض في بيع الربوي بمثله إذا علمنا هذا، وهو أن الأصناف الستة إذا بيع الصنف بمثله اشترط التماثل في الكيل كيلاً كصاع بر بصاع بر، أو صاع تمر بصاع تمر، وفي الوزن وزناً، كأن تقول: مائة غرام من الذهب بمائة غرام من الذهب، ولا يفاضل بينهما، سواءً اتفقت الصنعة أو الجودة أو اختلفت، فالحكم في الجميع واحد، فنقول: إن هذه الأصناف يشترط فيها التماثل والتقابض، ودليل ذلك ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (مثلاً بمثل، يداً بيد)؛ لأنه قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح) أي: بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح. فجعلها مقابلة لبعضها، فقال: (مثلاًَ بمثل) أي: بيعوها مثلاً بمثل، فدل على أنه لا يجوز بيعها عند فقد التماثل، كذلك أيضاً قال: (يداً بيد)، فلما قال صلى الله عليه وسلم: (مثلاً بمثل)، وقال: (يداً بيد)، أشار إلى نوعين من الربا: النوع الأول: ربا الفضل. النوع الثاني: ربا النسيئة.

وقوع ربا الفضل والنسيئة في الأصناف الربوية فأما ربا الفضل: فالفضل أصله الزيادة، وإذا قلت: فلان له فضل، أي: فيه زيادة من خير وطاعة وبر، فربا الفضل ربا زيادة، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: (مثلاً بمثل)، وقوله في معنى العكس: (ولا تشفوا بعضها على بعض)، أي: لا تزيدوا بعضها على بعض. وعلى هذا يتحقق ربا الفضل إذا كان الصنف واحداً من الأصناف الستة، سواءً بودل بمثله، أو بيع بمثله مع الزيادة في وزن أو كيل؛ كصاع بصاعين، وصاع بصاع ونصف، ومُدان بمُد، ونحو ذلك، والوزن مثل: مائة غرام بخمسين غراماً، أو مائة غرام بخمسة وسبعين، أو مائة بتسع وتسعين غراماً، كل هذا يعتبر من الربا، فلو نقص غرام واحد فإنه ربا. أما ربا النسيئة: فالنسيئة من النسأ، وأصله التأخير، ومنه قوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37]؛ لأنهم كانوا ينسئون ويؤخرون الأشهر الحرم عن مواقيتها، وسمي هذا النوع من الربا بربا النسيئة؛ لأنه يقوم على التأخير، فانظر إلى حكمة الشريعة وما جاءت به من العدل بين المتعاملين، فإنك إذا بعت الذهب بالذهب، فمن العدل إذا أعطاك مائة غرام أن تعطيه مائة غرام في مقابلها، ولا تؤخره كما لم يؤخرك، فالعدل يقتضي أن تنجز له وينجز لك. وبناءً على ذلك: لو بذل أحد الطرفين فقدم وأخر الثاني فإنه يقع ربا النسيئة، لكن بضوابط، فلو تأخر في الدفع فيقع ربا النسيئة بافتراق أحدهما عن الآخر قبل التقابض، فلو أنه قال له في مجلس العقد: عندي مائة غرام من السبائك، وأريدك أن تبادلني أو تبيعني بها مائة غرام من القلائد، فقال: قبلت، فهو لم يعطه شيئاً بعد، وتم الإيجاب والقبول، فمد له الحلي فتأخر الرجل يخرجها من بيته، أو يخرجها من شنطته، أو من كيسه، فلا يؤثر ما داما في مجلس العقد، على أصح قولي العلماء. وهناك قول آخر: وهو أنه لابد أن يعطي بيده ويستلم بالأخرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عمر في الصحيح: (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء)، أي: عندما تعطيه تقول: هه، وهو أيضاً يقول لك: هه، فمعناه: أنك تعطيه ويعطيك منابذة وحالاً، قالوا: فلو تأخر حتى ليدخل يده في جيبه لإخراج السلعة فإنه لم يتحقق قوله: (هاء وهاء)، فلابد أن يمد بيد ويعطيه بأخرى، وهذه المسألة يسمونها: مسألة صندوق التاجر، حيث كانوا في القديم يأتي ويكلم التاجر ومعه الحلي، فينزل التاجر إلى الصندوق ويخرج منه، كما هو موجود الآن في (البترينة) أو نحوها حين يقفلها ويفتحها حتى يستخرج منها المبيع، فقالوا: لا يجوز له أن يتعاقد معه إلا إذا نجز، وهذا المذهب فيه تشدد، لكن فيه رحمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير