تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصحيح على الحسن. ثم إن الصحيح قسموه إلى صحيح لذاته وصحيح لغيره؛ لكي يقدم الصحيح لذاته على الصحيح لغيره، وكذلك الحسن لذاته على الحسن لغيره .. إلى آخر مما هو مقرر في علم مصطلح الحديث. وأما الجواب على المتن: فلو سلمنا فرضاً أن الحديث صحيح من جهة السند؛ لكن من جهة المتن نقول: قوله: (نهى عن ثمن الكلب إلاّ الكلب الضَّارِيَ) (إلاّ) هنا بمعنى العطف (الواو)، وهذه لغة من لغات العرب وهو أنهم يستعملون حرف الاستثناء (إلاّ) بمعنى العطف، وحملوا عليها قوله تعالى: وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22] فقوله: (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) أي: ولا ما قد سلف، ويكون المعنى: أي: لا تبقوهن ولا تستديموا نكاحهن. ومنه أيضاً قوله سبحانه وتعالى، وهو وجه ذكره ابن العربي في أحكام القرآن في قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً [النساء:92] أي: (ولا خطأ) بمعنى: أنه لا يتعاطى أسباب التفريط، فمثلاً: لو جاء إلى موضع يريد أن يصيد فيه، وهو يعلم أنه هذا الموضع فيه أناسٌ يرعون، أو فيه خيام لأناس نازلين بهذا المكان، وبمجرد أن يرى فريسة يرميها، فلا يجوز، بل ينبغي أن يتحفظ؛ لأن القتل الخطأ هو أن يقتل بدون أن يقصد القتل كأن يرمي صيداً فيصيب آدمياً، فالله عز وجل يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً [النساء:92] أي: (ولا خطأً)، بمعنى: ألا يتساهل، حتى ولو كان الخطأ معفواً عنه، فلا ينبغي عليه أن يتعاطى أسباب الخطأ، ومنه قول الشاعر: وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوْهُ لَعَمْرُ أَبِيْكَ إِلاّ الْفَرْقَدَاْنِ أي: والفرقدان. وعلى هذا يكون قوله: (نهى عن ثمن الكلب إلاّ الكلب الضاري) أي: والكلب الضاري، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا الكلاب، ولو كانت كلاب صيد) تأكيداً في التحريم، ويكون هذا من باب قلب الدليل؛ لأنه إذا كان في الدليل معنيان: معنىً يعارض، ومعنىً يوافق، فينبغي صرف الحديث إلى المعنى الذي يوافق الأحاديث الأخرى، وحينئذٍ نقول: إن الأصحّ من هذه الأقوال هو القول بعدم جواز بيع الكلب مطلقاً.

بيع الحشرات وقوله: [إلا الكلب والحشرات]. (الحشرات) جمع حشرة، وهي الدويبات المعروفة على اختلاف أنواعها، وغالباً ما تكون صغيرة الحجم، سواءً كانت مما يرى أو كانت مما لا يُرى، فهذا النوع لا يجوز بيعه؛ والسبب في هذا -كما قلنا- أنه ليس في الحشرات منفعة مقصودة. وعليه: فإنه لو جمع حشرات وأراد أن يبيعها فإن البيع غير صحيح؛ لأنه من باب إضاعة المال، ولا قيمة للحشرات. لكن كيف تقرر التحريم بالدليل؟ تقول: الأصل أنه لا يجوز أكل المال بالباطل؛ لقوله سبحانه: لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]. ومعنى أكل المال بالباطل أن تأخذ المال بدون وجه حق، أي: بدون استحقاق، فإذا كانت الحشرات لا قيمة لها، وليس فيها منفعة مقصودة، ودفع لشرائها ألف ريال أو مائة ريال أو عشرة ريالات، فإنها أعطيت لغير شيء، وأعطيت لشيء لا قيمة له، فحينئذٍ تكون من أكل المال بالباطل. لكن إن وجدت فيها منفعة مقصودة كالطعم ونحو ذلك، فحينئذٍ يكون دفع المال لقاء منفعة مقصودة، وأُخذ المال لقاء شيء له قيمة. إذاً: وجه تحريم بيع الحشرات: أنها إذا كانت خلواً من المنافع وليس فيها منافع مقصودة، فقد خلت وعريت عن القيمة، فدفع المال لقاءها إنما هو من أكل المال بالباطل. ...... حكم بيع المصحف قال: [والمصحف]. المصحف اختلف في بيعه، فمذهب الحنابلة على التحريم، وهذا من مفردات مذهب الحنابلة، والجمهور على جوازه، وإن كان الشافعية يكرهون بيعه؛ لذلك يعتبرون هذه المسألة من الفوارق بين الحديث القدسي والقرآن، فبعضهم أوصلها إلى عشرة، ويدخلون فيها منع البيع، وأشار إلى ذلك صاحب الطلعة في قوله: وَمَنْعُ بَيْعِهِ لَدَى ابن حنبل وَكُرْهُهُ لَدَى ابن شافع جَلِيْ (ومنع بيعه) أي: المصحف، (لدى ابن حنبل) أي: عند الإمام أحمد رحمه الله. (وكرهه) أي: كره البيع، فيصحّ البيع لكن مع الكراهة، (لدى ابن شافع جلي) أي: عند الإمام الشافعي رحمه الله؛ لأنه ابن شافع من بني المطلب بن عبد مناف، فيجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف. فالتحريم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير