تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدليل الذي قرروه بالنظر: أن الزبل النجس يستصلح النبات، وهذا يحتاجه الفلاح، ويحتاجه الناس، أمّا الفلاح فلأنّ إنتاجه ومحصوله لا يصلح إلا بهذا النوع من السماد، وأمّا الناس فإنه إذا تضرر الفلاح وكان نتاج الفلاحة قليلاً؛ فإن هذا سيضر بالسوق وسيضر بالناس، فحينئذٍ يكون في تحريمه حرجٌ ومشقة، والشريعة لا توقع الناس في الحرج. إذاً القول بعدم الجواز فيه حرج، فيجوز البيع دفعاً للحرج والمشقة، قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]. والذي يترجح هو القول بعدم جواز بيع الزبل النجس، وذلك لما يلي: أولاً: لصحة ما ذكره أصحاب هذا القول، فإن الأصل عدم جواز بيع النجاسات، وهذا الأصل قرره حديث جابر رضي الله عنه، ولذلك سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شحوم الميتة -وهي متفرعة من الميتة-: (أنه يُطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا، هو حرام، قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه)، وفي رواية: (فاستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)، فدلَّ الحديث على أن الشيء النجس لا يجوز بيعه في الأصل. ثانياً: أما بالنسبة لاستدلالهم بالإجماع، فهذا الإجماع قد رده غير واحد من العلماء، حتى قال الماوردي في كتابه النفيس (الحاوي)، وهو من كتب الخلافيات، بل ومن أوسعها، قال فيه: إن هذا الإجماع إجماع العوام، إنما وقع بفعل الناس وليس بإجماع من يُعتدُّ بقوله ويُعتدُّ بإجماعه؛ لأن الإجماع إنما يكون من المجتهدين وليس من العوام، فالذي يبيعه ويأخذه هم العوام وليس العلماء الذين يُحكم بإجماعهم واجتهادهم. ثالثاً: استدلالهم بأن فيه حرجاً ومشقة، فيقولون: لو قلنا: لا يجوز بيع السماد النجس لكان فيه حرج ومشقة، هذا يحتاج إلى نظر؛ والسبب في هذا: أن الحرج والمشقة إنما يقعان في حالة عدم وجود البديل؛ لكن عند وجود البديل -وهو الزبل الطاهر وكونه يقوم بسدِّ الحاجة- فإنه حينئذٍ ينتفي قولهم: بأننا مضطرون إليه؛ لأننا نتكلم عن أصل عام؛ والأصل العام هو وجود الزبل النجس والطاهر: فالإبل، والبقر، والغنم، والطيور وغيرها موجودة فضلتها، وهي طاهرة ومباحة، وينتفع بها النبات كما ينتفع بالنجس؛ بل إن الطاهر آمنُ من النجس -كما سنبين إن شاء الله - فإذا وجد البديل -والبديل موجود وهو الزبل الطاهر- فإننا نقول بعدم صحة ما ذكروه من وجود الحاجة؛ لأن الحاجة شرطها: عدم وجود البديل، فالمرأة -مثلاً- إذا وجدت امرأة تقوم بعلاجها وتطبيبها فلا نقول: إنها مضطرة إلى الرجل؛ لأنه مع وجود البديل لا يحكم بالضرورة، ومع وجود البديل لا يحكم بالحاجة إذا سدَّ مسده. رابعاً: أن الحاجة هنا حاجة كمال، فإن الزبل النجس والرجيع النجس والسماد النجس فيه مضرة أعظم من منفعته، وهذا ثابت، فقد ثبت الآن طبيّاً وجود الأمراض والأضرار من اغتذاء النبات به؛ بل إن المذهب الصحيح من أقوال العلماء: عدم جواز أكل النبات المستصلح من النجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح: (أنه نهى عن أكل الجلالة)، والآدمي قوته على دفع الضرر أكثر من قوة النبات، ومن المعلوم أنه لو وضع الزبل النجس سماداً للكراث والفجل، فإنه يغتذي منه مباشرة، وكذلك نحوه من المزروعات، فهذه من أعظم ما يكون، حتى ثبت طبيّاً الآن أنها من أعظم ما تكون ضرراً على صحة الناس، وأكثر ما ينشأ فيها من الأمراض مظنة العدوى -والعياذ بالله-، فحينئذٍ نقول: إنه لو لم يحرم بوجود الدليل لحرم لوجود الضرر، والمصلحة والحاجة التي تطلب إنما هي مصلحة كمال وحاجة كمال، وقولنا: (مصلحة الكمال) أي أن هذا النبات يكون بصورة أو بشكل أفضل، لكنه من حيث المضمون -لوجود الضرر فيه- أسوأ وأردأ من الطاهر، وعلى هذا نقول: إنها ليست بحاجة ضرورة، ولكنها حاجة كمال، وفرقٌ بين حاجة الضرورة الموجبة للترخيص، وبين حاجة الكمال التي لا توجب رخصة، خاصة مع وجود البديل. فالذي يترجح هو: عدم جواز بيع الزبل النجس. ومسألة الجلالة يقول بعض العلماء -حينما جاءت مسألة بيع النباتات أو اغتذاء النباتات بالنجاسات-: إنّ الجلالة -كالبقرة أو الشاة أو الدجاجة- تتغذى بالنجاسات وتأكل النجاسات، فحينئذٍ تتضرر وتتأثر بهذه النجاسات، ومع أنّ في جسم الإنسان من القوة على دفع الضرر أكثر من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير