تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والذي يُهم من هذه الأنواع في التوليد هو النحتُ الفِعْلي والاسمي، بل إن بعضَهم أنكرَ النحتَ إلا في الأفعال حيث يقول: "إن النحت اتُّخِذ للأفعال لا للأسماء، أي إنهم كانوا يقولون: (سَبْحَل فلانٌ وحَوْقَل) ولم يقولوا في العادة: (اعتاد فلانٌ السَّبْحَلةَ والحَوْقَلة) فالمصدرُ لم يكن مراداً في استعمالهم النحت" ([6]).

ولابد من التنبه بداءةً إلى أن مفهوم النحت قد تداخل مع مفهومين آخرين في العربية هما مفهوم الإلحاق ومفهوم التركيب المزجيّ.

آ- فمن جهة الإلحاق، نرى أن كثيراً ممَّن دَرَسَوا ظاهرةَ النحت قد خَلَطُوا بينها وبين ما يمكن أن نسمِّيَه بالإلحاق الدلالي، تمييزاً له من الإلحاق الصرفي الذي قد لا يحمل دلالةً ما، كقولهم إن (جَدْوَل) ملْحَق به الواو لإلحاقه بجَعْفَر، والذي قال يه ابنُ جني: "اعلم أن الإلحاقِ إنما هو بزيادة في كلمة تَبْلُغ بها زِنةَ المُلْحَق به لضربٍ من التوسُّع في اللغة .. ولا يبقى بعد ذلك غرض مطلوب". ([7])

وأول ما ظهر هذا الخلط بين المفهومين عند ابن فارس الذي قال مُمَثِّلاً للنحت: "فمِمَّا جاء منحوتاً من كلام العرب في الرباعي أوله باء (البُلعوم) مجرى الطعام في الحلق، وقد يُحْذَف فيقال: بُلْعُم، وغير مشكِلٍ أن هذا مأخوذٌ من [بَلَع]، إلا أنه زيْدَ عليه ما زيد لِجنسٍ من المبالغة في معناه" ([8]). وظاهرٌ هنا أن النحتَ لم يستوف الشرطَ الأساسي وهو الأخذُ من كلمتيْن، فما وَقَع في هذا المثال لم يكنُ أَخْذاً من كلمتين، بل زيادة على كلمة واحدة. وكنا نظن أن هذا المثال مفردٌ عنده بين مجموعةِ أمثلةٍ تُمَثِّل نحتاً على مذهبهِ كقوله: "من ذلك (بُحْتُر): القصير المجتمع الخَلْق، فهذا منحوتٌ من كلمتين، من الباء والتاء والراء، وهو من بَتَرْتُه فبُتِر، كأنه حُرِم الطول فبُتِر خَلْقُة، والكلمة الثانية: الحاء والتاء والراء، وهو من (حَتَرْتَ) وذلك ألا تُفْضِل على أحدٍ، يقال: أَحْتَر على عياله أي ضيَّق عليهم، فقد صار هذا المعنى في القصير لأنه لم يُعْطَ ما أعطيَه الطويل" ([9]). إلا أنه عاد وذكَرَ في الباب التالي مباشرة ما يدل على أن زيادةَ أيِّ حرفٍ في كلمةٍ ولو لم يَكُن مأخوذاً من كلمةٍ أخرى تُعَدُّ عنده من النحت. قال في (باب من الرباعي آخر): "ومن هذا الباب ما يجيء على وزنِ الرباعي، وهو من الثلاثي على ما ذكرناه، لكنهم يَزيدون فيه حرفاً لمعنىً يريدونه من مبالغةٍ، كما يفعلون ذلك في (زُرْقُم وخَلْبَن)، لكن هذه الزيادة تقع أولاً وغَيْرَ أول" ([10]).

ويبدو أن هذا الخلاف قديمٌ بين اللغويِّين إذ كان الإمام أحمد بن يحيى ثعلب يرى في (زَغْدَب) أنه من (زَغَد) والباء زائدة، وكان محمد بن حبيب يرى في (عَنْسَل) أن أصله (عَنْس)؛ لكن ابن جني في الكلام على (بُغْثُر بن لقيط قال: "كأنه من معنى (الأَبْغَث)، ولست أقول إن الراء زائدة كما قال أحمد بن يحيى إن الباء من (زَغْدَب) زائدة، لأنه أخذَه من (الزَّغْد) وهو الهدير يُقَطِّعه البعيرُ من حَلْقه، هذا ما لا أستجيزه وأعوذُ بالله من مثله" ([11]).

وعلى مذهب ابن فارس في الخَلْط بين المنحوت والمزيد إلحاقاً سار الدكتور صبحي الصالح إذْ قال: "فمن الأفعال المنحوتة تصديراً بزيادة حرفٍ معبِّر في أولها (بَحْظَلَ الرجلُ بَحْظَلَة): قفز قَفَزات اليُربوع، فالباء زائدة على حظَل" ([12]).

إننا وانطلاقاً من تعريف ابن فارس نفسِه للنحت، لانَعُدّ أمثالَ هذه الحالة نحتاً، فإنْ هي إلا نوعٌ من الإلحاق الذي سنعقد له فقرةً لاحقة.

ب- أمَّا من جهة التركيب المزْجيّ فقد خَلَطوا بينه وبين النحت أيضاً؛ وكثيراً ما استشهد الباحثون بكلماتٍ مثل (بَرْمائي ورَأْسمالي) التي هي تراكيبُ مزجية وليست نَحْتاً ([13]). كما استشْهدوا بمصطلحاتٍ مثل اللاَّأَدرية واللاَّمتناهي ([14]) واللاَّسلكي؛ وهذه ليست إلا تراكيبَ مزجيَّة على حدٍّ التركيب المزجي بأنه "ضَمُّ كلمتَيْن إحداهما إلى الأخرى وجَعْلُهما اسماً واحداً إعرابا وبناءً سواءٌ أكانت الكلمتان عربيَّتينْ أم معرَّبتين" ([15]). إننا نَعُدَّ نحو (صِلْدِم وضِبَطْر) من الإلحاق لا من النحت الوصفي كما عدَّها ابن فارس، وإن القول بنحت الرباعي من اسمين ثلاثيين ليس إلا من قبيل الغيبيَّات اللغوية والتخمينات التي يُغذِّيها خيالٌ لغوي خصيب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير