تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2) النحت من السماع إلى القياس:

المتقدمون على أن النحتَ سماعي فيوقَفُ عند ما سُمِع، وليس لنا أن نَنْحت؛ ولم يُنْقَل عنهم ما يبيح قياسيَّتَه، إلا شيئاً يسيراً ورد عن نُحاة متأخرين، فقد "قال الخضري في حاشيته على ابن عَقيل: ونُقل عن فقه اللغة لابن فارس قياسيَّته، ومثل ذلك نقل الأشموني" ([16]). لكن عبارة ابن فارس في (فقه اللغة) كما نقلها السيوطي لا تنص على قياسيته، وهي: "العربُ تَنْحَت من كلمتين كلمةً واحدة، وهو جنسٌ من الاختصار وذلك نحو (رجل عَبْشَمي) منسوبٌ إلى اسمين .. وهذا مذهُبنا في أن الأشياءَ الزائدة على ثلاثة أحرف فأكثرُها منحوت". هذه العبارةُ لا تجيز القياس إلا على مذهبِ ابن فارس في أنَّ ما فوق الثلاثي معظُمه منحوت.

وهو فرضيَّة لا يُقرُّه عليها غالبيةُ اللغويين، لأنه قد "ركب التعسُّف والشَّطَط في حَمْل ما زاد على ثلاثة أحرف على النحت". ([17]) كما نقل السيوطي عن ابن مالك قياسيته، إلا أن عبارة التسهيل لا تقرِّر قياسيته فهو يقول: "قد يُبنى من جزأي المركَّب (فَعْلَل) بفاء كل منهما وعينه، فان اعتلت عين الثاني كُمِّل البناء بلامه أو لام الأول ونُسب إليه." ([18]).وفي الصفحة ذاتها ينقل السيوطي منعَ قياسه عن أبي حيان، قال: "قال أبو حيان في شرحه: وهذا الحكمُ (أي حكم ابن مالك) لا يطَّرد، إنما يقال فيه ما قالته العرب، والمحفوظُ منه: عَبْشَمي وعبدري ومُرْقُسي وعَبْقَّسِي وتَيْمَلي." ([19]).

هذا ما قاله القدماء عن النحت، وهو لا يُقَرِّر قياسيته، فماذا كان من المحدَثين؟

إن اللجنة التي شكلها مجمعُ القاهرة سنة 1953 والتي لا تَضُمُّ سوى واحدٍ من اللغويين على ما يبدو من أسماء أعضائها (إبراهيم الحمروش ومحمود شلتوت وأحمد زكي ومصطفى نظيف وعبد القادر المغربي)، لم تَقْتَرح قياسية النحت، بل قالت بجوازه في العلوم والفنون ([20]). وعليه قرَّر المجمعْ جوازَ النحت عندما تُلجىء إليه الضرورة العلمية .. ([21]). ولعل هذا القرار المقيَّد كانت وراءه آراءُ الأعضاء اللغويين، كالشيخ أحمد الاسكندري الذي هدَّد بمغادرة الجلسة إن أُقِرَّ النحتُ وسيلةَ توليدٍ لغويٍ ([22]). وفي سنة 1965 وبعد ثلاثين سنة من أول طرحٍ لقضية النحت اتخذ مجمع القاهرة قراراً أكثرَ حَسْماً يقول فيه: "النحتُ ظاهرةٌ لغوية احتاجَتْ إليها اللغة قديماً وحديثاً، ولم يُلْتَزم فيها الأخذُ من كلِّ الكلمات، ولا موافقةُ الحركات والسكنات، وقد وردَتْ من هذا النوع كثرةٌ تجيز قياسيَّته. ومن ثم يجوز أن يُنحَت من كلِّ كلمتين أو أكثر اسم أو فعلٌ عند الحاجة، على أن يُراعى ما أمكن استخدامُ الأصلي من الحروف دون الزائد، إن كان المنحوتُ اسماً اشتُرط أن يكون على وزنٍ عربي، والوصفُ منه بإضافةِ ياء النسب، وإن كانْ فِعْلاً كان على وزن (فَعْلَل أو تَفَعْلل)، إلا إذا اقتضت غيرَ ذلك الضرورةُ، وذلك جرياً على ما ورد من الكلمات المنحوتة" ([23]).

لقد نجح أنصارُ النحت بتقييسه على الرغم من الإحساس العام بأن النحت ليس من أصول العربية، بدليلِ أن ابن جني لم يَعُدَّه من أصولها ولا من خَصائصها فلم يذكره في كتابه (الخصائص) ([24]).

أمَّا لجنة اللغة العربية في المجمع العلمي العراقي، فقد كانت أكثرَ تشدُّداً في قرارها: "عدمَ إجازة النحتِ إلا عند عَدَم العثور على لفظٍ عربي قديمٍ واستنفادِ وسائلِ تنمية اللغة، على أن تلجئَ إليه ضرورةٌ قصوى وأن يُرَاعى في اللفظ المنحوت الذوقُ العربي وعدمُ اللبس". ([25]).

3) النحت لدى المحدثين:

لم يكثر الحديثُ والجدل في وسيلة من وسائلِ التوليد اللغوي كثرتَه حول النحت. لقد تَميَّز موقفُ أنصار النحت بالجَمْع بين النظرية والممارسة:

1 - يُعَدُّ ساطع الحصري في طليعةِ المدافعين عن النحت وسيلةَ توليدٍ لغوي، يقول: قلَّما رأينا إقداماً على الاستفادة من النحت بصورة فعلية، ونحن نعتقد أن الضرورةَ ماسةٌ لذلك، إننا نُعَبِّر عن كثير من المعاني العلمية بتراكيب متنوعة، فإذا كانت هذه التراكيب قصيرةً وسهلة فيمكننا أن نستمر في استعمالها على حالها، أمَّا إذا كانت طويلةً صعبة فمن مصلحة العلم واللغة أن ننحتها لأجل تسهيلِ استعمالها وانتشارها" ([26]). ومن منحوتاته: (قَبْتَاريخ) مقابل المصطلح الفرنسي ( Prehistoire) أي (قبل التاريخ)، فيقال على مذهبه:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير