تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما منْ عارض النحت فقد ذهب في معارضته مذاهب شتى:

1 - فالأب أنستاس ماري الكرملي يقول: "ولغتنا ليست من اللغات التي تقبل النحتَ على وجه لغاتِ أهل الغرب ([39])." وقال في اعتراضه على خُطة المجمع بعد أن ذهب معظمُ أعضائه إلى قبول النحت في هذا العصر: "لا أرى حاجة إلى النحت، لأن علماء العصر العباسي مع كل احتياجاتهم إلى ألفاظ جديدة لم ينحتوا كلمةً واحدةً علمية، هذا فضلاً عن أن العرب لم تنحت إلا الألفاظ التي يكثرُ تردُّدها على ألسنتهم، فكان ذلك سبباً للنحت، وأما التي لا يكثر ترددها على ألسنتهم، فكان ذلك سبباً للنحت، وأما التي لا يكثر ترددها على ألسنتهم فلم يحكموا بنحتها" ([40]) وتابعه على هذا الدكتور مصطفى جواد متعللاً مُعْتلاً بأنه "لا يصح التفريطُ في الاسم بإضاعة شيء من أحرفه، كأن يقال: (النَّفْسَجي) في النفسي الجسمي، أو (النَّفْسَجِسْمي) ممَّا يُبْعد الاسم عن أصله ([41]).

2 - ونجح المجمعي مصطفى الشهابي بمعارضتِه النحتَ في استصدار قرارٍ من مجمع القاهرة" بألا مجالَ للنحت ولا التركيبِ المزجي في تصنيف المواليد، ولا حاجة إليهما .. ([42]). فالمُسْجَنيَّات أو المُسْجَنَاحِيات بدلاً من مستقيمات الأجنحة، وغُضْرُ عُنْفيَّات بدلاً من غُضْرُوفيَّات الزعانف، وأشباه هذه الرَّطانات المستهجنة التي يَلْجا إليها بعضُ المؤلفين لا حاجةَ إليها البتةَ، وكلمتان هنا أصلحُ بكثيرٍ من كلمةٍ نابية تَشُذّ عن التراكيب العربية ويَسْتَغلق فيها المعنى." ([43]).

3 - ولا يرى أمين الخولي النحتَ من وسائل نماءِ اللغة، لأن نماءها إنما يكون "بزيادة داخلية ذاتية من كيانها ومادِتها ولا بتعريبٍ من كلماتِ غيرها، ولا بنحتٍ مصطنعٍ من كلماتها ([44]) ..

4 - وكان المعجمي المهندس وجيه السمان ميَّالاً إلى معارضة النحت على الأغلب، لما في المنحوتات من مجافاة للدقة والوضوح، وهما أهمُّ خصائص اللغة العلمية، فهو يقول: "وفي اعتقادي أن النحت مسْتثقَل على الأغلب، وينبغي ألاَّ يستَعمل إلا عندما تدعو إليه الضرورة، ولاسيما عند ترجمة المصطلحات التي هي مركَّبة في اللغات الأجنبية ([45]) " .. ويرى أن بعض الغموض في المصطلح مردُّه إلى النحت. وعاد إلى النحت في مقالةٍ أخرى فقال: "وعلى كلّ حال ينبغي أن يظلَّ النحتُ قليلَ الاستعمال حديثاً، لأن اللغة العربية لا تَتَقَبَّله بسهولة؛ وخيرٌ للمصطلحِ أن يتألف من كلمتين مضافتين أو من ثلاثِ كلمات أحياناً، من أن يُنْحَت نحتاً مُسْتَثْقَلا .... ومن العجيب أن بعض أصحابِ النظر في اللغة ومِمَّن ألفَّوا فيها مؤلفاتٍ حسنةً عالجوا النحت، فجاءَتْ منحوتاتُهم رديئةً سقيمة لا يَقبلها أحد ([46]) " .. واستشهد على ذلك بما اقتُرح لِفَحْم السكر من منحوتات مثل: فَحْمَس، فَسْكَر، فَحْسَك فحْكَر مِمَّا كنا ذكرناه.

وممن عارض هذا اللونَ من الاشتقاق المستشرقُ (هنري فليش) الذي أنكر وجودَ النحت والعملَ به في اللغة العربية وقال: "إن نظام العربية يجعلُها غيرَ قادرة على وضْع الكلمات المنحوتة بصورة سوية، ولا يمكنها كذلك وَضْعُ سوابق ولواحق جديدة، ذلك أن طريقتَها الأساسية في ابتكار المفردات هي التَّحْوير الداخلي ([47]) ..

لكن مواقفَ هؤلاء العارضين كانت في غالبيَّتها تَتَّسم بالتحفُّظ أكثرَ منها بالإنكار. فلم يكن رائد هؤلاء المعترضين- ولاسيما المعرِّبين من العلميين كالشهابي ووجيه السمان- ردَّ هذه الظاهرة كليَّة بل التوجيهُ إلى حسن استخدامها كأداةِ توليدٍ لغوي، وإن كانت "أداةً صغيرةَ الأثرِ إذا ما قيست بالأدوات السائدة من اشتقاقٍ وتضمينٍ وتعريب ([48]) "؛ وليس كما يُدَّعى من أنها من أكبرِ الوسائل المُفْضية إلى نموّ اللغة وتقدُّمها.

4) ضوابط النحت وشروطه:

في محاولةٍ لتَفْعيل هذه الأداة وتحسينِ مردودها الاشتقاقي وضَعَ بعضُ اللغويين والمعرِّبين من الضوابط ما رأَوْه ضرورياً للوصولِ إلى منحوت لغوي يخدم الإبانةَ والإفصاح دون أن يَخْدِش الأسماع أو الأذواق .. ولقد استعملنا كلمة (ضوابط) بدلاً من قواعد لأنها لا ترتقي إلى أحكام القواعد القياسيَّة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير