تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 - إن ابن فارس أكبرَ القائلين بالنحت، لم يَعُدَّه وسيلةَ توليدٍ بل وسيلة اختصارٍ إذْ قال: "العربُ تنحت من كلمتين كلمةً واحدة، وهو جنسٌ من الاختصار" ([59]) وكل المنحوتات المتداولة- ومعظمُها من بعدِ عصر الاحتجاج- لم يكن فيها معنى جديد، وإنما هي اختصارٌ لتركيبٍ طويل مألوف كأنْ يقال: عَبْشَمي بدل (عبد شمسي)، أو هي وسيلةٌ لإزالة اللَّبْس كأن يقال (بَهْشَمي) ([60]) بدل قولهم: (أبو هاشمي) نسبةً إلى (أبي هاشم) أحد أصحاب الفِرَق.

2 - إنَّ ما استقرَّت عليه العربيةُ هو الجذرُ الثلاثي، وقد صارت الثلاثيَّةُ من خصائصها، عليها بُنيِتْ معاجمُها، وعليها بُني ميزانُها الصرفي، وعليها بنيت تقاليبُها الستة عند من يعتقدها، ويَأَنَسُ بها لمعرفةِ معاني كلمات غريبة من الجذر ذاته. إن السليقةَ العربية أو الذهن العربي سَرْعَانَ ما يَلْجأ إلى هذه الثلاثية لمعرفة الدلالات العامة لكلمةٍ ما، فعندما يمر بكلمةٍ مثل (ملاذات) مثلاً، يردها عفويَّاً إلى الثلاثي (لاذ) الذي يعطيه المنطلَق الدلالي للكلمة وما تحمله من معنى اللجوء إلى الشيء أو النزوعِ إليه أو الاحتماء به. وكذا عندما يَسمع كلمة (مُدَرَّعة) فانه يردها عفويَّاً- إن كان لا يعرف معناها- إلى الجذر الثلاثي (درع). هذه الطريقة من التحليل فرضتْها خصائص اللغة العربية على الذهن العربي. من هنا تبدأُ مشكلتنا مع المنحوتات في أنها كَسْرٌ لهذه الخاصية الثلاثية للجذر العربي الذي تقومُ عليه غالبيةُ اللغة، فالإنسانُ العربي عندما بمر بكلمة مثل (النَّقْحَرَة) ([61]) لا يجدُ سبيلاً لفهمها إلا إعادتَها إلى الثلاثي فيجد أمامه (نَقَح أو نَقَر) وأين هذه الجذور مما أراده الناحتُ من تحميلها معنى (نَقْل الحروفِ) من اللغات الأجنبية إلى العربية. وكذا لو مَرَّ بالنحيتة (صَلْكَل) ([62])، فان ذهنَه سينصرف إلى الجذور (صلك، صكل) وأنَّى له أن يعرف أن مُراد الناحت بها هو (استأصل الكلية). فقد يُعْترض علينا بأن شرح المصطلحات يبين المراد منها، وجوابُنا أننا نولِّد كلماتٍ جديدة لنُفْهم ونُبين، ومتى احتاج المولَّد- لفظاً حضارياً أو مصطلحاً- إلى تعريفٍ فَقَدَ مُسَوغَ توليدهِ وهو الإيضاح والتبيين، ومن أهم شرائط اللفظ المولَّد أن يشف- ولو يسيراً- عن دلالته.

3 - إن في النحت خروجاً على الخاصية الأساسية في اللغة العربية وهي الخاصيَّة الاشتقاقية، لأن النحت تركيبٌ لَصْقي، وتحليلُ المنحوت بغيةَ فهمه لا يكون بإرجاعه إلى جذوره وبنائه، بل بإرجاعه إلى جُزْأَيْ أو أجزاءِ التركيب؛ وإن العَرَب عندما أرادوا التعبير عن المعاني المركَّبة لم يلجؤوا إلى النحت بل إلى الاشتقاق؛ لقد قالوا مثلاً (أَشْعَر) لمن كان غزيرَ الشعر أو كثيفَه، لكن عندما أرادوا أن يُبَيِّنوا أن كثافة الشعر في الرأس قالوا: (شَعْرَاني)، ولم يقولوا: (شَعْسِي أو شَعْرَسي) نحتاً من شعر ورأس. كما يذهبُ بعضُ دعاة النحت المعاصرين.

4 - إنَّ عقدَ مقارنة بين مصطلحاتٍ منحوتة وأخرى مركَّبة وصفياً أو إضافياً تُبَيِّن ما هو أدخلُ في العربية منها. لقد وضع الأستاذ عبد الحق فاضل مجموعةَ مصطلحاتٍ حول صيانة الطبيعة في المجلد (12) من مجلة اللسان العربي بطريقتَيْ النحت والتركيب الإضافي والوصْفِي، فكان مايلي ([63]):

المصطلح المنحوت

المصطلح المضاف

المصطلح الأجنبي

كرة أرضية - الأغْلِرضَانيَّة

الأغِلفَة الأرْضانية

geasphère

نظام بيئي- التنظطبيعي

التناظمُ الطبيعي

ecosystème

كثافة سكانية- الكثاسَكَن

كثافة السكان

papulation denssity

مستوطن- وبائي- نُعْتَوطن

نوع مستوطن

endemic

العمطبيعة

العوامل الطبيعية

naturacl fotor

المصطلاجدة

المصادر الطبيعية اللامتجددة

non reneweable resaurces

وعلى القارئ أن يحكمُ بنفسه على النحت طريقةَ توليدٍ وأداة تعبير، بالقياس إلى التركيب الوصفي أو الإضافي. إن ما رأيناه من أشكال النحت جَعَلَنا نظنّ كأن الناحتين يريدون إبطالَ المركَّبات الإضافية والوصفيَّة، وهي قياسيَّةٌ ولا تحصى في لغتنا، وتعويضَها بصياغاتٍ نحتية ما ثبَت منها في لغتنا لا يجاوز العشرات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير