تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأنا أعترف بأنني لست أكثر من مهندسة كمبيوتر تهوى الأدب وربما تتطفل عليه. قضيت أربع سنوات غارقة في طوفان من مراجع البرمجة والشبكات بالاضافة للرياضيات الصعبة، والأسوأ ان كل هذا كان باللغة الإنجليزية. لذا فقد كانت علاقتي بالعربية الفصحى عبر القراءة الحرة فقط. لم احاول الكتابة بصورة جدية سوى منذ العام الماضي أي بعد تخرجي مباشرة. شجعني فوزي في بعض المسابقات الأدبية للشباب تحت الثلاثين ونشر هذه الأعمال بصورة ورقية.

لذا فما زلت أعتبر نفسي في طور التعلم. فبعد استخدامي لكتاب قواعد النحو والصرف في التغلب على الكثير من مشكلاتي النحوية ما زال أمامي الكثير لأتعمله. كما قلت راجعت قواعد علامات الترقيم وقمت بتطبيق هذا على العمل. وأرجو إخباري إن كانت قد وضعت في أماكنها الصحيحة أم لا. وليست هذه محاولة للتأثير على لجنة التحكيم كل ما هنالك أنني أحاول تعلم استخدامها بشكل جيد لأطبقها على باقي كتاباتي. وهذا هو نص التعديل. وقبل كل شيء شكرا للجميع لملاحظاتهم القيمة.

:::

أشياء غريبة تحدث

لا أعرف لمَ ألحت ذكراه على خاطري فجأة، وقررت أن أزوره؛ صديقي القديم (على الجندي).

أطل عجوز من فتحة الباب،ونظر إلىّ للحظات نظرة غريبة؛ لم أستطع أن أفهمها. سحب رأسه للداخل ثم أخبرني وهو يغلق الباب في وجهي بأن (علي الجندي) ترك الشقة منذ عشرين عاما. غريب هذا!!.العالم يتغير بسرعة مذهلة، كأن عشرين يوما فقط هي كل ما مر منذ آخر مرة قابلته. ظللت في حيرة حتى صعدت إلى شقتي. عشرون عاما!!!.لابد وأن الرجل قد جنّ أو أنني قد جننت. عشرون عاما!!!.من المستحيل أن أصدق. قد أكون طرقت الباب الخطأ؛ هذا يحدث كثيرا، وقد عنّ للرجل أن يسخر مني بتلك الطريقة القاسية. عشرون عاما!!!.هذه أسخف دعابة سمعتها في حياتي.

دققت باب شقتي ولم يفتح أحد. دقات أخرى وأجابني الصمت. اضطررت للجوء إلى المفتاح الذي في جيبي. الشقة باردة وخاوية. انتابتني رعشة غريبة وأنا أخطو فوق الظلام المكدس بالداخل. يبدو أن زوجتي والأولاد لم يعودوا بعد؛ متى سيعد الغداء إذن؟.أشعر بجوع حقيقي يهز حواسي النائمة .. ولكن ..... لا بأس؛ سأنتظر. ألقيت بالمفاتيح على الطاولة، وطوحت بجوعي وحيرتي وراء ظهري، وأنا اتجه إلى الشرفة.

العادة الغريبة التي بدأت أمارسها هذه الأيام هي الاهتمام بالنباتات المزروعة في الشرفة. لم أكن أهتم بالأمر لكنني فجأة أصبحت مغرما به. التقطت رشاش المياه النصف ممتلئ واتجهت نحو النبات الذابل. رأيت ابنة الجيران جالسة؛ تقرأ كتابا، ولسبب ما بدت لي في تلك اللحظة بارعة الجمال. ما هذا الذي أقوله؟.إنه لا يليق بسني إطلاقا. لكنني- ولدهشتي-آتي بحركات صبيانية لأجذب انتباهها. تبا!!.ما هذا الذي أفعله؟.لكن الفتاة رائعة بالفعل. لو جاءت زوجتي الآن لحطمت رأسي ورأسها .. ولكن ... ليس هذا هاما على الإطلاق؛ فإن الفتاة ...... تبتسم. نعم إنها تبتسم لي؛ لي أنا. كدت أطير من الفرح. اقتربت لأجاذبها أطراف الحديث لكنها لم تلتف لي. لقد كانت تبتسم للفتى الرقيع في الشرفة المقابلة. كدت أقذفها بالرشاش الذي في يدي، لكنني ألقيته على الأرض في عنف، ودخلت محبطا إلى الداخل. ارتميت على الأريكة، وبعينين لا تريان شيئا ظللت أحدق في السقف. انتبهت على دقات الساعة؛ إنها الثالثة؛ الثالثة فقط؛ ألا تتحرك هذه العقارب أبدا كأنها تسير إلى الوراء. اليوم طويل؛ طويل وخاو، كشقتي الخاوية، ومعدتي الخاوية؛ الجوع يلتهم أحشائي من جديد. تذكرت فجأة أنني لم أتناول أقراص دوائي بعد. نهضت بجسد مثقل، وذهن مشوش، وابتلعتها مع لقمة خبز جافة تهدئة لمعدتي الخاوية. عدت إلى الأريكة من جديد، محدقا في لا شيء. خيل إلىّ أنني أرى الأشياء باهتة؛ كأنّ ضبابا خفيفا يغلفها .. لعله تأثير الدواء فحسب. لكنني ولأول مرة لاحظت الغبار الذي يغطي الطاولة، وخيوط العنكبوت المدلاة في الزوايا المظلمة. يبدو أن زوجتي لا تقوم بأعمال التنظيف كما يجب. زوجتي!!، ولكن زوجتي ماتت منذ زمن، أولادي رحلوا كذلك؛ لم أعد أذكر إلى أين. (على الجندي) مات منذ عشرين عاما، ليس هو فقط بل كل معارفي تقريبا، أنا فقط بقيت. تجاوز عمري المئة و يأبى أن ينتهي. الآن أعرف من أنا جيدا؛ مجرد عجوز تعيس تمسك بتلابيبه الحياة، وتأبى أن تفلته، يرغب في الموت ويخشاه .. و ......... ها هي الأشياء تتأرجح أمام عيني؛ تترنح وتتلاشي في لعدم، أخيرا، ستجيء الإغماءة المباركة وتنسني الحقيقة إلى حين. آه ليتني لا أتذكر أبدا.

ملاحظة: النقط المتتالية للدلالة على أن الجملة لم تكتمل سوى بعد فترة.

ـ[غازي عوض العتيبي]ــــــــ[20 - 11 - 2008, 12:14 م]ـ

كل الشكر للقاصة الكريمة على هذه القصة الرائعة.

استطاعت الكاتبة أن تمسك بخيوط قصتها بفضل ما تملكه من لغة أدبية عالية، اعتمدت على الحوار الداخلي أساساً لها، مع تطعيمه ببعض السرد.

وفقت الكاتبة في اختيار شخوص قصتها، حيث اختارت نموذجين من الشخوص:

الأولى: تلك العجوز التي تشير إلى الهرم والكبر.

الثانية: تلك الفتاة التي كانت تقرأ كتاباً على شرفة شقتها.

رسمت الكاتبة قصتها وفق بناء ابتدأ بعقدة تتمثل في البحث عن الصديق، وانتهت بما انتهت عليه.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير