تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل أي دلالة في التعبير بالفعل الماضوي: "حثى" ـ هكذا ـ وأي غلظة للنأي هذه بل أي شدة من لدن تلك الأرض "الطروح".

وليتمم الشاعر إحكام عبارته وإتمام إشارته، أضاف المطمع إلى نفسه: "مطمعي"؛ وهو بحاله أعلم، وبمستشرف مطامعه ألزم.

ثم عاد ملتفتا إلى عينه العبرى وقد رنقت بالتراب الحسي أونة، والتراب المعنوي أونة أخرى، في سياق تعبيري وتصويري مدهش: " وأعبر عيني مدها ونزوحها"؛ لم يكتفِ بالنزوح حتى جعله مدّا مدا، وشدا شدا!

ثم ماذا!

هل سيقف شاعرنا عند هذا الحد من الصورة المبهرة والكلمة المعبرة!

كلا، وهيهات! ولكنه يشفع بصورة أخرى مكملة في سياق من العطف المشهدي، صورةٍ أقل ما يمكن أن يقال فيها: إنها واسطة عقد هذه الجوهرة، ساكنة منها في حبة السويداء، متربعة في سواد العين!

يقول:

وحنّت عشار الشوق بالصدر حنّةً = تلمّظ فيه لوعةً لا أبوحها

الله الله الله

وما شاء الله

أي إبداع هذا وأي إمتاع!

لم يكتفِ الشاعر باستعارة حنين العشار لمضطرم الشوق؛ حتى جعلها تحنّ في الصدر حنة، وتئن وأية أنة!

وانظر إلى الإضافة الاستعارية "عشار الشوق"، وإلى تخصيصها بالصدر خاصة، وإلى التأكيد بالمصدر: "حنت ... حنة".

ماذا عساي أقول! هيهات. ههنا يكل اللسان ويخرس البيان،ويستحسن العي، ويحل الصمت.

والصمت في حرم الجمال جمال.

هكذا يمضي شاعرنا في استعاراته وتصويراته؛ مستنطقا آيات جمالها، محييا ما مات من آمالها وجميل استعمالها:

فسنا البرق يكدي عنده أي إكداء، باخلا حتى بوعد الماء والاستسقاء:

عشية أغوى الشائمين سناهم = فأكدى و أوفى أفقَ سلمى مُليحها

والرياح تكذب دعوى شفاء التباريح، بل أي دعوى ومن أية جهة، وأية ريح، ألم يقل ابن الدمينة:

وَقَد زَعَمَوا أَنَّ الرِّياحَ إِذا جَرَت ... يَمانِيةً يَشفِى المُحِبَّ دَبِيبُهَا

والمواهب تحرم إلا بما هشت لنجد وأهل نجد حلالا زلالا وصيبا هطالا:

فإن أحرمت عنا مواهب مائه ... فقد هشّ نجداً نفحها ومنيحها

والثرى لم يزل متضمخا بريا أنفاس الأحباب، وبرد حر الأشناب. والحياة تسري في أوصال أرواح الأقاح عن مبسم الحسان وثغور الملاح:

تنفّستِ ريّاه وقد ضمّخ الثرى = ورُدّت إلى موتى أقاحيه روحُها

والغيث لم يزل ينافس الشاعر في استدرار بسمة أم عاتك كالغالب؛ والريح تناغي وتلاعب، والشاعر العاشق بينهما غيران مغاضب:

وإني لمن غيثٍ تبسّمت نحوه = غيورٌ ومن أرض تناغيك ريحُها

صور جميلة، متلاحقة، في تناسب كلي مطرد: بالعطف حينا وبالأفعال أحيانا، في تناسق تصويري مشهدي رائع، ختمه الشاعر ببيت هو مسك الختام، وداعية الغرام:

فمن لي بنفح منك يحيي عبيرَهُ = حشاشة نفسٍ أثبتتها قروحها

وقفتُ عنده لما قال: " أثبتتها قروحها"، فقلت بلسان الحال والمقال:

أواه، مهلا، كفى ... قد أثبتت في الحشا

هذا ما عندي أخي الحبيب قلة وضعفا، وإني لأعلم مقدار ما تستحق رائعتك هذه، فهل تقبل مني اليسير، وتعذرنا على التقصير؛ فقد ضاق فتر عن مسير!

فلعل من هو أفضل مني وأقدر، أن يفي هذه الباسقة حقها، وما أجدر!

ودمتم سالمين

والسلام عليكم ورحمة الله

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[14 - 11 - 2008, 04:56 م]ـ

لافض فوك أخي الشاعر رؤبة، كما عودتنا الركض وراء معانيك.

شعر وشاعر تجد الأصالة وتجد المتعة وأنت تطوف بين أبيات القصيدة.

دام ابداعك أخي الحبيب ودام عطاؤك ولك مني عاطر التحية،

ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[15 - 11 - 2008, 06:34 م]ـ

ما شاء الله: rolleyes:

بورك فيكم أجمعين

وأخص أبا يحيى فرده موضوع بكامله

أهمني والله الرد على ردودكم كما أهمّت عبد الملك بن مروان الخطبة ختى عدها من اللواتي شيبن شعره ..

لي بإذن الله عودة إلى ردودكم ..

زادكم الله من فضله وأحسن إليكم ..

والسلام عليكم أجمعين

ـ[أم أسامة]ــــــــ[15 - 11 - 2008, 10:26 م]ـ

أستاذنا الكريم رؤبة بن العجاج ...

لا أخفيك والله أنني كلما قرأت شعرك أشعر بالأمل يحيا بين أرجائي حيث لا زال في اللغة العربية من يستطيع أحياء شيء مما أندثر-لدى الأغلبية- من مفرداتها ونظمه (ولا تقل عني متشائمة أنها والله حقيقة مرة) ..

أبيات ماشاء الله في قمة الروعة ...

العاطغة الجياشة فيها أذابت الغريب وجعلته مألوف مستساغ ..

لله درك يا رؤبة ما أروع نظمك ...

أسرتني القصيدة بمجملها عييت أن أقتبس شيء منها فهي در محبوك وتسلسل معنوي راقي ورائع ..

والأروع والأجمل سمو هذه النفس وهي والله نفس الكرماء حيث تقر العين بسقيا دار الأحبة ...

أجد في هذا النص صور بديعة وخيال متدفق ولغة راقية وعاطفة نابضة ... فمن أين أبدأ التعليق عليه؟؟

نجد الوجد والشوق والمطر والحنين يتمازجان هنا ..

هنا نجد الإبداع ....

حباك الله بفضله فبارك لك فيما أعطاك ووفقك وسدد خطاك ...

حثى مطمعي من أرض سلمى طَروحها …وأعبر عيني مدُّها ونزوحها

وحنّت عشار الشوق بالصدر حنّةً … تلمّظ فيه لوعةً لا أبوحها

عشية أغوى الشائيمين سناهم ... فأكدى و أوفى أفقَ سلمى مُليحها

هريقي علينا يا غمامة مطرةً .... لعل بما تندين تُشفى جروحها

زهتنا أكاذيب الرياح فلم تَجدْ ... بها النفس من بلبالِها ما يريحُها

فإن أحرمت عنا مواهب مائه ... فقد هشّ نجداً نفحها ومنيحها

هنيئاً عليك الغيث يا أمّ عاتكٍ ... إذا أنفسٌ بالقاع طال بريحها

تنفّستِ ريّاه وقد ضمّخ الثرى ... ورُدّت إلى موتى أقاحيه روحُها

وإني لمن غيثٍ تبسّمت نحوه ... غيورٌ ومن أرض تناغيك ريحُها

فمن لي بنفح منك يحيي عبيرَهُ ... حشاشة نفسٍ أثبتتها قروحها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير