تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته. . ولكن الإسلام ليس مجرد "عقيدة ". . إن الإسلام كما قلنا إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد. فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان. . ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً - بالفعل - في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم - بعد رفع الضغط السياسي عنهم وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم - ولكن هذه الحرية ليس معناها أن يجعلوا إلههم هواهم ; أو أن يختاروا بأنفسهم أن يكونوا عبيداً للعباد! وأن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله!. . إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وحده ; وذلك بتلقي الشرائع منه وحده. ثم ليعتنق كل فرد - في ظل هذا النظام العام - ما يعتنقه من عقيدة! وبهذا يكون "الدين" كله لله. أي تكون الدينونة والخضوع والاتباع والعبودية كلها لله. . إن مدلول "الدين" أشمل من مدلول "العقيدة ". . إن الدين هو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة وهو في الإسلام يعتمد على العقيدة. ولكنه في عمومه أشمل من العقيدة. . وفي الإسلام يمكن أن تخضع جماعات متنوعة لمنهجه العام الذي يقوم على أساس العبودية لله وحده ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدة الإسلام. .

والذي يدرك طبيعة هذا الدين - على النحو المتقدم - يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف - إلى جانب الجهاد بالبيان - ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية - بالمعنى الضيق الذي يفهم اليوم من اصطلاح "الحرب الدفاعية " - كما يريد المهزومون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام - إنما كان حركة اندفاع وانطلاق لتحرير "الإنسان" في "الأرض". . بوسائل مكافئة لكل جوانب الواقع البشري ; وفي مراحل محددة لكل مرحلة منها وسائلها المتجددة.

وإذا لم يكن بد من أن نسمي حركة الإسلام الجهادية حركة دفاعية , فلا بد أن نغير مفهوم كلمة "دفاع".

ونعتبره "دفاعاً عن الإنسان" ذاته , ضد جميع العوامل التي تقيد حريته وتعوق تحرره. . هذه العوامل التي تتمثل في المعتقدات والتصورات ; كما تتمثل في الأنظمة السياسية , القائمة على الحواجز الاقتصادية والطبقية والعنصرية , التي كانت سائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام ; والتي ما تزال أشكال منها سائدة في الجاهلية الحاضرة في هذا الزمان!

إن هناك مبرراً ذاتياً في طبيعة هذا الدين ذاته ; وفي إعلانه العام , وفي منهجه الواقعي لمقابلة الواقع البشري بوسائل مكافئة لكل جوانبه , في مراحل محددة , بوسائل متجددة. . وهذا المبرر الذاتي قائم ابتداء - ولو لم يوجد خطر الاعتداء على الأرض الإسلامية وعلى المسلمين فيها - إنه مبرر في طبيعة المنهج وواقعيته , وطبيعة المعوقات الفعلية في المجتمعات البشرية. . لا من مجرد ملابسات دفاعية محدودة , وموقوتة!

وإنه ليكفي أن يخرج المسلم مجاهداً بنفسه وماله. . (في سبيل الله). في سبيل هذه القيم التي لا يناله هو من ورائها مغنم ذاتي ; ولا يخرجه لها مغنم ذاتي. .

إن المسلم قبل أن ينطلق للجهاد في المعركة يكون قد خاض معركة الجهاد الأكبر في نفسه مع الشيطان. . مع هواه وشهواته. . مع مطامعه ورغباته. . مع مصالحه ومصالح عشيرته وقومه. . مع كل شارة غير شارة الإسلام. . ومع كل دافع إلا العبودية لله , وتحقيق سلطانه في الأرض وطرد سلطان الطواغيت المغتصبين لسلطان الله. .

والذين يبحثون عن مبررات للجهاد الإسلامي في حماية "الوطن الإسلامي" يغضون من شأن "المنهج" ويعتبرونه أقل من "الموطن"! وهذه ليست نظرة الإسلام إلى هذه الاعتبارات. . إنها نظرة مستحدثة غريبة على الحس الإسلامي , فالعقيدة والمنهج الذي تتمثل فيه والمجتمع الذي يسود فيه هذا المنهج هي الاعتبارات الوحيدة في الحس الإسلامي. أما الأرض - بذاتها - فلا اعتبار لها ولا وزن! وكل قيمة للأرض في التصور الإسلامي إنما هي مستمدة من سيادة منهج الله وسلطانه فيها. وبهذا تكون محضن العقيدة وحقل المنهج و "دار الإسلام" ونقطة الانطلاق لتحرير "الإنسان". .

وحقيقة أن حماية "دار الإسلام" حماية للعقيدة والمنهج والمجتمع الذي يسود فيه المنهج. ولكنها هي ليست الهدف النهائي. وليست حمايتها هي الغاية الأخيرة لحركة الجهاد الإسلامي. إنما حمايتها هي الوسيلة لقيام مملكة الله فيها. ثم لاتخاذها قاعدة انطلاق إلى الأرض كلها , وإلى النوع الإنساني بجملته. فالنوع الإنساني هو موضوع هذا الدين , والأرض هي مجاله الكبير!

وكما أسلفنا فإن الانطلاق بالمنهج الإلهي تقوم في وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة , ونظام المجتمع , وأوضاع البيئة. . وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة. كي يخلو له وجه الأفراد من الناس , يخاطب ضمائرهم وأفكارهم , بعد أن يحررها من الأغلال المادية ; ويترك لها بعد ذلك حرية الاختيار. . ((الظلال))

***********************

أسال الله تعالى أن يجعله زادا للمجاهدين في سبيله أينما كانوا في هذه الأرض وأن يجعلنا منهم

قال تعالى:

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (74) سورة النساء

أبو حمزة الشامي

12 جمادى الآخرة 1425 الموافق 29/ 7 /2004 م

******************************

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير