تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويعاني العالم الإسلامي كذلك من أزمة القيم التي تتجلى في عدم التقيّد بالحقوق العامة، وفي مقدمها حقوق الإنسان وكرامته وغيرها من الممارسات اللاإنسانية التي تخدش مفهوم القيم في مجتمعاتنا، وتجعلنا موضع النقد والشجب.

وقد عددت كتب الفقه الإسلامي عشرات الحقوق التي ينبغي أن تُراعى، كحق الخالق وحق الحياة وحق النفس وحق الطفل وحق الجار وحق الطريق ... إلخ. وتبيّن هذه الحقوق النظرة الشرعية لحقوق الفرد والجماعة التي تنظَّم على أساسها الحقوق والواجبات في العصر الحديث، وتشكّل قاعدة دولة الحق والقانون، وتتفرع عنها الحقوق السياسية وقاعدة الحريات العامة.

كما أخذ العالم الإسلامي يعاني في الفترة الأخيرة من ظاهرة تفشي تيارات التطرف الديني والعقدي، وما نجم عن ذلك من أعمال عنف وإرهاب وظهور اتجاهات تكفيرية ومدارس للتعصّب الديني. وقد شجعت أعمال العنف والإرهاب خارج العالم الإسلامي وداخله أخيرا استشراء ظاهرة عداء الإسلام وكراهيته (إسلاموفوبيا) القديمة الجديدة، وهو ما خلق بدوره تحديا جديدا خطيرا يقتضي من العالم الإسلامي التعامل معه ومع غيره من التحديات بمنهجية عصرية وخطط ناجعة ... والكثير من الجدية والمسؤولية.

ولما أضحى هذا الأمر مصدرا خطيرا للتحامل على الإسلام والمسلمين، ونعتهم بأقبح الصور من الإرهاب إلى التخلف الحضاري وغيره صار الاتجاه لازما إلى ضرورة وضع خطة شاملة لبلوغ هدف الوسطية المستنيرة بما يتفق مع تعاليم الإسلام، وللقضاء على أفكار التعصب والتطرف والغلوّ الديني في كثير من بلداننا والتي تتمثل فيما يسمّى فتاوى التكفير والولاء والبراء، ورواج ظاهرة من يسمون أنفسهم "مرجعيات دينية" يصدرون فتاوى تتناقض مع روح الشريعة الإسلامية السمحة، من دون أن تكون لأصحاب هذه المرجعيات أية أهلية شرعية لذلك.

وقد نجم عن شيوع هذه الأفكار المتعصبة في الناشئة من أبناء المسلمين انحرافات خطيرة، تبدّت على شكل أعمال عنف وإرهاب شنيعة داخل بلدان العالم الإسلامي وخارجها شوهّت صورة الإسلام وقيمه في أعين العالم وزادت من حدة ظاهرة كراهية الإسلام في الخارج.

وتتطلب معالجة هذا الوضع ضرورة اتفاق دول العالم الإسلامي في برامجها وتشريعاتها على سياسات تهدف إلى ترتيب شؤون البيت الإسلامي الداخلية، بتحبيذ رعاية التيارات الإسلامية المعتدلة التي تواكب أفكار العصر، وتوحيد المرجعيات الدينية الفقهية وتحديدها بغية حصر من يحق له أن يُفتي في النوازل من وجهة النظر الإسلامية الشرعية، بما ينسجم مع شروط الاجتهاد وشروط الفتوى في الدين الإسلامي.

كما ينبغي أن نشيع في مجتمعاتنا الإسلامية ثقافة "التسامح" بالمعنى الإسلامي. ويقودنا هذا كذلك إلى ضرورة تبنّي تعريف واضح "للجهاد" في الإسلام وشروطه الموضوعية ودواعيه ومصدر إعلانه، طبقا لما هو وارد في كتب الفقه، وذلك حتى يتميز الجهاد الحقيقي من الإرهاب.

وأضحى من الضروري أمام تفاوت مستويات التنمية في العالم الإسلامي تفعيل مبادئ التكافل والتآزر الإسلاميين لتقوية عرى الأخوّة الإسلامية، وذلك بتنشيط آليات التضامن الإسلامي، كمؤسسات جمع الصدقات وتحصيل الزكاة وموارد الأوقاف الخيرية الإسلامية، وتأطير المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي في المجالات المختلفة، كمراكز محو الأمية، وعلاج الأمراض، ومحاربة الفقر، وإنشاء صناديق إسلامية لهذا الغرض يسهم فيها المسلمون كافة بتبرعات سنوية زهيدة، ولكنها تتيح جمع مبالغ طائلة لتحقيق هذه الغايات التي ترمي إلى إنقاذ العالم الإسلامي من التخلّف والجهل وتفشّي الأمّية، وإنشاء مراكز عالية للبحوث في المجالات التكنولوجية والعلمية المختلفة، وتقديم منح للطلبة المسلمين المبرزين في مجالات العلوم للدراسة في أحسن المعاهد العليا المتخصصة في العالم، وتدشين جامعات مفتوحة في أرجاء العالم الإسلامي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير