وأرادوا جعله عارياً من العلم والفضل والأدب والخلق بهذه الكذبة المفتراة ..
ويزيد بعضهم أن كتب الإمام حرقت ونحو هذه الجمل للإيهام بشدة ذلك الأمر .. وقد بين الإمام بلسان نفسه كذب كل هذا ..
وسواء حرقت بعض كتبه أو كل كتبه المطبوعة في السوق فلا يعني أن الناس كلهم حرقوا كتبه .. ولا يعني أنهم حرقوا ما كان عنده وعند كل أحد في بيته من كتبه .. فلا يعدو الإحراق الذي يذكرونه حرق كتب أو بعضها في السوق من بعضهم .. فكل من حرقها حرقها تقليداً وكيداً ككيد النساء أو جهلاً ..
وما ضر علم حرق كتب حملته .. وكما حرقوا بعض كتب الإمام أتى زمان بعده حرق فيه الحاكم كتب المذاهب .. فحرقة بحرقة ..
والله سبحانه هو الديان .. فهل يقولون أن هذا التحريق لكتبهم كان يدل على فساد ما فيها .. ؟!
فإن قالوا كذلك أبطلوا هذه الفرية .. ولله تعالى الحمد وله المنة ..
أما طرده من بلده لأجل القول بالظاهر فلا يصح هذا ..
وإنما كان خروج الإمام عن بلده لأجل أمر سياسي وليس هذا ..
عندما أخذ الحكم من كان الإمام ضده ويخالفه في مسألة الحكم .. فخرج إلى بلدة أخرى يحكمها من يعرفه الإمام لئلا يأخذه هذا الحاكم بالباطل .. وقد أثبت هو في كتابه طوق الحمامة بعض هذه الأحداث وفي غيره ..
وكذلك كان قد سجنه أحدهم لأجل أمر سياسي لا علاقة له بمنهجه الظاهري ..
ولا يثبت هذا عنه أصلاً .. إنما هي حكايات تروى عند بعض المتأخرين من الإخباريين ولا يصح منها شيء .. فقد أبطل الإمام بكلامه السابق أن يكون ابن عباد وغيره قد آذوه لأجل قوله بالظاهر .. ولو كان هذا النص عن الإمام مالك أو الشافعي أو أحمد لما رضي مقلدوه أن نقول عليه بقول الإخباريين وقد وجد نص كلامه في نفس الحادثة ..
وهذا يستحلون التشنيع به على الإمام ولا يستحلون التشنيع به إن كان عن إمام يقلدوه .. فالحق والإنصاف أن نأخذ قول صاحب العلاقة في كلامنا .. لا أن نهمل كلامهم ونأتي بكلام مفسر أو مؤرخ أو أصولي في صاحب ذلك القول .. فما عدا ذلك تناقض وقول بالباطل والكذب ..
فإن جهل أحدهم هذا النص وغيره مما كتبه الإمام في هذه الحوادث فعذره أنه جاهل بهذه الحادثة ..
أما الذي يعلم فيردد هذه الكذبة فهو كذاب مفتر .. نسأل الله السلامة والعفو والعافية ..
الأنموذج الثاني ..
وهو في الرسالة الثانية التي عنّف فيها كاتبها على الإمام كذلك حملت بين حروفها الكذب والتشنيع ..
ويظهر من خلال النصوص أن الإمام عرف كاتبها وكاتب التي نقلت منها لكنه رحمه الله لم يسم أحدهما باسمه ..
وهذه من فضائله ..
وقد قال له خصمه في الرسالة الثانية ..
((أرجو أن يريح الله منك العباد والبلاد)) .. فقال الإمام رحمه الله ..
((فإنما يريح الله من الكافر العاند عن كلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أما المؤمن فمستريح، وما أقول لك إلا كما قال جرير:
تمنى رجال أن أموت، وإن أمت * * * فتلك طريق لست فيها وحدي ..
لعل الذي يبغي وفاتي ويرتجي * * * بها قبل موتي أن يكون هو الردي ..
والله لئن مت ما أسد قبوركم، ولا أوفر عليكم رزقاً، ولأردن على رب رحيم، وشفيع مقبول، لأني كنت تبع كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا أتخذ دونهما وليجة، لكن إن مت أنت، فتقدم والله على رب خالفت كتابه، وعلى نبي اطرحت أوامره ظهرياً، وأطعت غيره دونه، فأعدّ للمسألة جواباً، وللبلاء جلباباً، وسترد فتعلم، ولا عليك إن مت عاجلاً أو تأخر موتي، فلقد أبقى الله تعالى لك ولأمثالك مما أعانني الله ووفقني له حزناً طويلاً، وخزياً جزيلاً، وكسراً لكل رأي وقياس، ونصراً للسنة مؤزراً، ولينصرن الله من ينصره، فهل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين؟!
وبعد، فلتطب نفسك بعد أن تذيقها برد اليأس، على أن تعارض بهوس ما في تلك الرسالة الحق الواضح، وكيف تعارض نص القرآن والسنة؟ هيهات من ذلك، فاقصر هو أروح لك، وأجمل بك إن شاء الله تعالى، والسلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته، عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد وآله، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل.))
انتهت رسالته الثانية وهي في رسائل ابن حزم 3/ 127 - 128
وهذه الفرية التي ادعوها أنه كان كثير الوقيعة في الأئمة .. ليس هذا إلا للتنفير من قوله ..
فيتوهم القارئ لكلامهم أن هذا الرجل يطعن في أئمة الدين فلا بد أن يكون جاهلاً أو داعياً إلى باطل أو بدعة ..
فيجتنب قوله ولا يلتفت إلى حجته ..
وقد كشف الله هذه الكذبة وعرّاها بكلام الإمام نفسه ..
واستمر من يعمل بالظاهر قرناً بعد قرن ..
خفي علينا أمره أو ظهر فلا فرق ..
فالله تعالى وحده الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..
وهو الهادي والعاصم من القول في دينه بالرأي المجرد والظن ونسبة ذلك الظن إلى الدين .. ..
وبالله تعالى التوفيق .. والحمد لله رب العالمين ..
¥