[حركة التأليف المعجمي في مفردات القرآن الكريم]
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[09 Sep 2006, 03:49 م]ـ
حركة التأليف المعجمي في مفردات القرآن ـــ أحمد حسن الخميسي*
مقدمة:
أقبل المسلمون على القرآن الكريم بشغف منذ صدر الإسلام، يتدبرون آياته، ويتفهمون معانيه التي تحتويها ألفاظه، فحفظوه عن ظهر قلب، وجمعوه في مصحف، وكتبوا في تفسيره وإعجازه وبلاغته وآداب حمله الكثير. وعكف العلماء على تبيان معاني غريب مفرداته، ووضعوا فهارس ومعاجم لألفاظه، ولا تزال مسيرة التأليف والإعداد في هذا المجال مستمرة حتى أيامنا هذه، لأن كلمات الله تعالى لا تنفد معانيها، ولأن عطاءات القرآن متعددة ومتجددة، وسيظل الإنسان يجد في آياته معيناً لا ينضُب لبحثه وفكره وعقله وحياته.
وسنقف في دراستنا هذه عند الكلمة القرآنية التي شغلت العلماء، فصنّفوا الكتب في مفردات غريب القرآن، ووضعوا لألفاظه الفهارس والمعاجم، وسنتحدث عن أهميتها ومنهج إعدادها والأهداف التي وضعت من أجلها، وعن وجهة أولئك العلماء في أعمالهم، ونقارن بين مفردات الغريب ومعاجم الألفاظ، ونتحدث أيضاً عن دور الحاسوب في تقديم فهارس ومعاجم الألفاظ القرآنية وعلاقة الحاسوب بالمكتوب على الورق.
اهتمام المسلمين بالألفاظ القرآنية:
للألفاظ أهمية في حياة الإنسان لأنها تعبر عما في فؤاده، وتترجم المعاني والمشاعر التي بداخله، وهي إلى جانب ذلك وسيلة لمخاطبة الآخرين، وكلما أتقن الخطيب أو المتحدث ألفاظه واختارها بدقة كان تأثيره في المتلقين أبلغ.
إن الألفاظ هي أوعية المعاني والخازن لها، والمقدَّمة على المعاني، فقد ذكر الإمام مجد الدين ابن الأثير عند حديثه عما يلزم لمعرفة علم الحديث فقال: "أحدهما معرفة الألفاظ، والثاني معرفة معانيه، ولا شك أن معرفة ألفاظه مقدَمةٌ في الرتبة، لأنها الأصل في الخطاب، وبها يحصل التفاهم، فإذا عُرِفتْ، تَرَتَّبَتِ المعاني عليها، فكان الاهتمام ببيانها أولى" ([1]).
ولأهمية الألفاظ العربية اشترط الأئمة في الفقيه معرفتها والإلمام بها، نقل عنهم قولهم: "إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لاغنى لأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله (صلى الله عليه و سلم) عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله عز وجل وما في سنة رسوله (صلى الله عليه و سلم) من كل كلمة عربية أو نظم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بدّاً" ([2]).
وجعل العلماء تعلم اللغة فرض كفاية. قال ابن حزم: وأما النحو ففرض على الكفاية ... لأن الله يقول) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضلّ الله من يشاء، ويَهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم (إبراهيم الآية/4/ ولأهمية الألفاظ أمر الله المؤمنين باختيارها والعدول عن المحرف منها إلى ما هو أفضل، قال تعالى) يا أيُّها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا وقولوا انظُرنا وللكافرين عذابٌ مهين (البقرة الآية 104.
إن لفظة (راعِنا) من المراعاة وهي الإنظار والإمهال وأصلها من الرعاية وهي النظر في مصالح الإنسان، وقد حرفها اليهود فجعلوها كلمة مسبة مشتقة من الرعونة وهي الحمق، ولذلك نهى سبحانه وتعالى عنها المؤمنين، وأمرهم بإبدالها بلفظة (انظرنا) من النظر والانتظار ([3]).
وكره رسول الله (صلى الله عليه و سلم) بعض الألفاظ، فأمر المسلمين باستبدالها، وقال: [لا يقولنّ أحدكم "خَبُثَتْ نفسي" ولكن ليقل: "لَقِسَتْ نفسي"] متفق عليه.
قال العلماء: معنى خبثت: غثّت وهو معنى "لَقِستْ" ولكن كره لفظ الخبث للنفس ([4]).
وحثنا رسول الله (صلى الله عليه و سلم) على الدقة في الألفاظ فقال: [لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان] رواه أبو داود بإسناد صحيح.
ونظراً إلى ما للقرآن من أهمية عند المسلمين، راحوا يعتنون بألفاظه وآياته ويتدبرونها لأنها تحمل معانيه، قال تعالى) كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياتِه وليتذكّرَ أُلوا الألباب (سورة ص الآية 29.
وكانوا يسألون الرسول الكريم إذا ما أشكل عليهم لفظ أو غمض عليهم معنى.
¥