تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الفردوس المستعار و الفردوس المستعاد- للدكتور أحمد خيري العمري]

ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[11 Nov 2006, 04:42 م]ـ

عرض الشيخ معاذ الخطيب الحلقة الاولى

أمام إلحاح أطفالي نقعت في الماء بعض بذور البطيخ الأصفر (الشمام) والذي له طعم مثل العسل! وقد أخذت البذور من (بطيخة) نادرة الطعم زكية الرائحة، ثم زرعناها في وعاء خاص، وبعدها ظهرت وريقات صغيرة استحالت إلى نبات فتي يملأ العين خضرة وبهاء! وبقينا ننتظر الأزهار التي تعقبها الثمار الشهية، ولكن عبثاً! ومنذ أيام ودعنا آخر عرق أخضر فقد ماتت نبتتنا! ومع ذلك الوداع أدركت جهلي! فذلك النبات أميركي! وصممت بذوره خصيصاً لتنبت مرة واحدة، وواحدة فقط، وإلا فكيف سندفع (كأمة) كل سنة مئات ملايين الدولارات ثمناً لبذور جديدة!

أمتعني جداً (بقدر ما أقلقني) كتاب ممتاز ألفه الكاتب المفكر والطبيب أحمد خيري العمري، وسماه (الفردوس المستعار والفردوس المستعاد) وقد تفضل مشكوراً بإهدائي نسخة منه، ومن ذلك الكتاب علمت لماذا لاتنبت البذور مرتين!

يذكر الأستاذ العمري أنه في عام 1915 حصل ماغير وجه العالم، فقد حصل إفراط في الإنتاج، وتكدست البضائع، فقلت أرباح الرأسماليين الذين التجئوا إلى هنري فورد (1863 - 1947) فأحال الأمر إلى قسم الدراسات الاجتماعية، وبعد مداولات عاصفة خرجت مؤسسة فورد باقتراحين مذهلين: الأول: تقليل ساعات العمل من 60 ساعة في الأسبوع إلى 48ساعة! وزيادة الأجور!! وبالتأكيد لم تكن مؤسسة فورد غبية بل في غاية المكر والدهاء!

كان الهدف هو إيجاد وقت للراحة والترف! وبالتأكيد فيجب أن تكون الجيوب ممتلئة! وإذا وجد الفراغ والمال فشيطان التسوق هو ثالثهما من دون جدال. [منذ فترة افتتح عندنا في الشام مركز تجاري ضخم لم يجد أصحابه إلا عبارة في غاية السماجة والعامية للدعاية له وهي: (كتير كتير تسوق) مع صور غريبة تناسب سكان مونت كارلو ونيس (الأتقياء) في الستينات!].

كان فورد عدواً لدوداً للحركات العمالية، ولكنه كان أدهى منها بكثير، فأوقع الكل في فخ الاستهلاك، وببعض الدعاية المغرية كالتخفيضات الموسمية والتقسيط المريح استطاع فورد وخلفاؤه انتزاع بقية المدخرات التي وفرها العمال المساكين.

عدت لأنظر في كتاب الفردوس المستعار والفردوس المستعاد فوجدت أنه قائم على ثلاثة محاور أساسية: أولها يتحدث كيف أن المواجهة مع المنظومة الأميركية ليست مواجهة عسكرية بل إن هناك ديناً أميركاً لم يبدأ عمله عند سقوط بغداد بل هو سرطان متغلغل في كثيرين، والصراع العسكري وجه واحد لصراع حضاري وقيمي يطرح نفسه كدين بالمعنى العميق وهذا كله في مواجه فرد مقموع ومهزوم ومكبوت في طاقته الإنسانية كلها [جزى الله الحكام ماهم أهله]، ولم يعد الدين (الأميركي) حكراً على أميركيين وطنيين حتى العظم! بل أصبح له ملايين الأتباع الذين يحملونه حتى وإن لم يدركوا ذلك! ومادام لكل دين إعجازه فقد كانت معجزة الدين الأميركي منبعثة من روحه (أي حسية صرفة) تقدم إبهاراً تقنياً يشل قدرات الفرد ويقضي على أي جدال أورفض.

يرسل إلينا الدين الأميركي كل يوم ملايين الرسائل عبر الإعلام والتحليلات والتربية والثقافة والأجهزة التقنية، والتقدم العلمي والمخترعات ووسائل الاتصال والتعبير والمؤسسات والخدمات والترفيه وحل المشاكل ... وهو دين لايصطدم مع أحد ولا يحارب العقائد مباشرة ولكنه يزحف ببطء مخيف مكتسباً مواقع ثابته يصعب جداً إعادة التمكن منها، والأمكر أنه لايعارض العبادة ولا يمنع أحداً من مزاولة ما يعتقد، بل يهنئ ويفتح الأبواب ويبارك ويصافح بينما يفرغ القيم الأساسية ليضع قيمه هو ومبادئه ونظرته وعقليته بل يسكب روحه سكبا في كل مفصل فيناً.

لب هذ الدين قائم على فكرة الحلم الأميركي من الرفاهية والترف والعيش في جنة السلع الأرضية.

وكما أفرغ فورد جيوب العمال المساكين، فقد أفرغ الدين الأميركي الأرض من قيمها، فأوحى لها أن التقدم إلى الفردوس (المستعار والوهمي والمزيف) رهن بخلاصها من الفردوس الآخر (وهو القديم والموروث والممل).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير