[منهج الخازن فى لباب التأويل]
ـ[احمد فنه]ــــــــ[26 - 12 - 2009, 03:31 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
بعد000
يعد تفسير (لباب التأويل) من التفاسير الفريده فى عرض مجمل تفاسير القران, وذلك أن صاحبه أخذ على نفسه ذلك بقوله (فوائد نقلتها لخصتها من كتب التفاسير المصنفة في سائر علومه المؤلفة ولم أجعل لنفسي تصرفا سوى النقل والانتخاب مجتنبا حد التطويل والإسهاب وحذفت منه الإسناد لأنه أقرب إلى تحصيل المراد) (لباب التاويل1/ 3) وقد التزم الا يكون حاطب ليل وان يضيف بصمته ونكهته على تلك الأراء فالتزم خمس مسائل (استنباط شيء كان معضلا أو جمعه إن كان متفرقا أو شرحه إن كان غامضا أو حسن نظم وتأليف أو إسقاط حشو وتطويل) (لباب التأويل1/ 4).
ومن هذا المنطلق فقد أخذت على عاتقى تقصى تلك المسائل الخمس لأتبين ما أدلى به الخازن فى تلك المسائل من فيض علمه وروض فكره الزاهر فى الحكم على التآويل واستخلاص ما بها من صيح او عليل والإضافة لها إن أحس التقصير او نثرها فى محكم بليغ ألا يشرد ذهن القارئ لحشو أو تطويل أو سوء عرض, كيلا يتهم بالتقصير فى عرض تأويل كلام العلى القدير.
وقد بنيت بحثي على تلك المسائل الخمس ملتمسا مثالين فى كل مسأله راجيا من الله التوفيق وحسن الاختيار فإن أصبت فمن الله التوفيق وان مِلت فمن نفسى وما أنا إلا بشر
الباحث
المسألة الأولى: استنباط شيء كان معضلاً
المثال الأول:-
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (النحل126)}
نجد أن هذه الآية وردت بعد قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وهذا متلائم تماما من حيث الترتيب العقلى فإذا علمنا أن هذه الآيات نزلت قبل نزول قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبه5)} فمن المتبادر إلى الذهن أن تلك الآيات قد نسخت بالأخيرة من سورة التوبه وبناء على هذا انقسم العلماء الى فرق وهذا ما يطالعنا به الخازن بعد عرض سبب نزول الآية فى قتلى أحد والتمثيل بهم وبجثثهم وجثت حمزه عم الرسول صلى الله عليه وسلم وقسمهم أن يربوا على ما فعلوه بهم.
فإذا نظرنا إلى الرازي نجده قد ربط الآية بما قبلها وعرض اختلاف المفسرين فيها ثم انتهى لقوله الأصوب عندي أن يقال المراد أنه تعالى أمر محمداً (صلى الله عليه وسلم) أن يدعو الخلق إلى الدين الحق بأحد الطرق الثلاثة وهي الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالطريق الأحسن ثم إن تلك الدعوة تتضمن أمرهم بالرجوع عن دين آبائهم وأسلافهم وبالإعراض عنه والحكم عليه بالكفر والضلالة وذلك مما يشوش القلوب ويوحش الصدور ويحمل أكثر المستعمين على قصد ذلك الداعي بالقتل تارة وبالضرب ثانياً وبالشتم ثالثاً ثم إن ذلك المحق إذا شاهد تلك السفاهات وسمع تلك المشاغبات لا بد وأن يحمله طبعه على تأديب أولئك السفهاء تارة بالقتل وتارة بالضرب فعند هذا أمر المحقين في هذا المقام برعاية العدل والإنصاف وترك الزيادة فهذا هو الوجه الصحيح الذي يجب حمل الآية عليه (مفاتيح الغيب 20/ 113)
فالرازي كما شرح أسبابه لعدم قبول الآراء الثلاثة عرض سبب خاص يُحكِم نزول الآيه وعدم تعارضها مع آية السيف.
فإذا نظرنا للقرطبى نجده يفرد لها أربع مسائل ولم ينزل على حكم واضح وانما ذهب لقول آخر (سمى الله تعالى الإذايات في هذه الآية عقوبة، والعقوبة حقيقة إنما هي الثانية، وإنما فعل ذلك ليستوي اللفظان وتتناسب ديباجة القول، هذا بعكس قوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] وقوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] فإن الثاني هنا هو المجاز والأول هو الحقيقة؛ قاله ابن عطية. (الجامع لأحكام القرآن10/ 202)
¥