تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقراءةُ كلِّ ما يمكنكَ قراءتهُ كانت طريقةَ الجاحظِ، وابنِ الجوزيِّ، وبها وصّى الرافعيُّ أحدَ طلاّبهِ.

ثالثًا: احرصْ- حالَ اقتنائكَ للكتبِ- على شراءِ الكتبِ المحقّقةِ، حتى لو غلا ثمنها قليلاً، وذلكَ لتأمنَ من السقطِ، والتحريفِ، وأفضلُ الكتبِ المحقّقةِ ما حُقّقَ في رسائلَ جامعيّةٍ، أو ما حقٌقهُ بعضُ المشهورينَ بالتحقيقِ والاعتناءِ بالتراثِ وجمعهِ.

وإذا لم تجدْ نسخةً محققةً من الكتابِ، أو لم يحقّقْ بعدُ، فاشترِ أي نسخةٍ منه، ولا تنتظرْ إلى أن يحقّقْ، فإن ذلكَ يحرمُكَ خيرًا كثيرًا، ولربّما لم تجدْ منهُ نسخةً مستقبلاً.

رابعًا: إذا ضاقتْ بكَ اليدُ، أو كنتَ قليلَ المالِ، ولم تتمكّن من شراءِ الكتبِ، فاستعرها، أو اقرأ في مكتبةٍ عامّةٍ، وسوفَ يُباركُ اللهُ لكَ، ومع مرورِ الزمنِ ستجدُ بركةَ العلمِ، وسيفتحُ لكَ اللهُ في الرزقِ.

وقد كانَ الجاحظُ يقرأ في دكاكينِ الورّاقينَ، ولم يكن لديهِ مالٌ لشراءِ الكتبِ، وما مرّ العمرُ بالجاحظِ، حتى صارَ أوحدَ أهلِ عصرهِ في الأدب والتاريخِ والعلمِ، فلم يمنعهُ قلةُ المالِ من القراءةِ والبحثِ.

والإمامُ ابنُ حيّانَ الأندلسيّ كانَ يوصي طلاّبهُ بالاستعارةِ وعدمِ شراءِ الكتبِ، وأن يقرأوها في المكاتبِ العامّةِ.

خامسًا: لا تقرأ دونَ أن يكونَ معكَ قلمُ رصاصٍ، وذلكَ لتسجّل الفوائدَ، أو تقيّدَ ما تحتاجُ إلى تقييدهِ، وأعظمُ ما يجعلُ القراءةَ ناقعةً هو وجودُ قلمِ رصّاصٍ تسجّلُ بهِ أهم النقاطِ وأرأسها، لكي تكونَ لكَ كالمُلخّصِ، ترجعُ إليهِ وقتَ الحاجةِ.

واجتنبْ- تمامًا- الكتابةَ بقلمٍ لا يزولُ أثرهُ، فإنّ ذلكَ يشوّهُ الكتابَ، وربّما أتلفهُ.

سادسًا: لا بُدَّ من استكمالِ أدواتِ القراءةِ الصحيحةِ، من إضاءةٍ، وبعدٍ عن ضجيجٍ، وجلسةٍ مناسبةٍ، إضافةٍ إلى خطٍ واضحٍ للكتابِ، واحذرْ أن تقرأ وسطَ الضوضاءِ، أو الصوتِ الصاخبِ، أو حالَ الأكلِ، أو وأنت تتكلّمُ، فإنّ ذلكَ غيرُ مجدٍ، ولا نافعٍ، وربّما اتهموكَ بالمراءاةِ.

سابعًا: اجعل أوّلَ ما تقرأهُ من أي كتابٍ مقدّمتَهُ، ثمّ فهارسهُ، وذلك حتى تعرفَ ما يحتويهِ هذا الكتابُ، وكذلك لتأخذَ عنهُ تصوّرًا كاملاً، وتعرفَ مفاتيحهُ، وأهم ما يحتوي عليهِ.

وقد كانت هذه هي طريقةَ الشيخِ على الطنطاوي.

ثامنًا: لا تعجزْ أمامَ أي كتابٍ، أو تستسلمْ، بل اقرأ واقرأ، وما لم تفهمهُ بالكتابةِ فاسأل عنهُ، وكن سؤولاً مُلحًّا، حتى لو كانَ المسؤولُ أصغرَ منكَ، فالعلمُ يحتاجُ إلى سؤالٍ ومذاكرةٍ.

تاسعًا: بعضُ الكتبِ- خاصّةً كتبُ التخصّصِ- لا بدَّ من قراءتها أكثرَ من مرةٍ، ولا يمنعكَ قراءةُ الكتابِ مرةً واحدةٍ، أن تقرأهُ مرةً أخرى، بل تكرارُ القراءةِ يرسّخُ العلمَ، ويثبّتهُ.

وفي ترجمةِ بعضِ المحدثينَ أنّه قرأ صحيحَ مسلمٍ أربعينَ مرةً.

عاشرًا: إذا مرّ عليكَ شيءٌ احتجتَ إلى تقييدِه، فاجعلْ همّتكَ الأولى أن تحفظهُ، فإن لم يمكنكَ حفظهُ إمّا لطولهِ، أو لضعفِ الحفظِ، فسجّلهُ في دفترٍ خاصٍ، وذلكَ حتى لا يضيعَ عليكَ مكانهُ مع بعدِ العهدِ عن الكتابِ، ومن أحسنِ الطرقِ لتثبيتِ ما قرأتهُ في ذاكرتكَ: أن تحدّثَ بهِ غيركَ، وأن تنشرهُ للنّاسِ، فإنّ ذلكَ أدعى لحفظهِ، ولرسوخهِ في الذهنِ.

وقد كانتْ وصية ابنُ الجوزي لطلابهِ أن يحفظوا ما أرادوا قراءتهُ، فإن لم يمكنهم ذلك يكتبوه ويقيّدوهُ.

وماذا عن الحفظِ ومنزلتهِ؟.

الحفظُ ضروريٌّ جدًا، وهو أكبرُ عدّةٍ للعلم ٍ، والعلمُ مع الفهم ِ، كرجل ٍ ميكانيكيٍّ، لهُ خبرة ٌ بالصيانةِ وإصلاح ِ العطل ِ، ولكنهُ لا يملكُ العدة َ الكافية َ، فهذا لا ينفعهُ فهمهُ وخبرتهُ لكي يصلحَ السّيارة َ، وذلكَ لعدمِ وجودِ العدّةِ.

وكذلكَ الحفظُ والفهمُ، فالطالبُ لو رُزقَ فهمًا بلا حفظٍ، فإن ثمرة َ علمهِ ستقلُّ كثيرًا، وسيحتاجُ إلى نظر ٍ في الكتبِ كلّما احتاجَ إلى الكلام ِ في العلوم ِ.

والحفظُ ضربانِ: منهُ غريزيٌّ فطريٌّ، ومنهُ كسبيٌّ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير