تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بل أسفل منه وأضل.

بينما الصراع شيء ثانوي في الحياة وفرعي. والأصل هو التعاون، فأعضاء جسم الكائن الحي في تعاون مستمر فيما بينها. وتتعاون الشمس بضيائها وحرارتها مع الهواء والماء والتربة لإنتاج الأثمار للإنسان أو للحيوان حسب أجناسها وأصنافها. أي أن عناصر الكون كلها تتعاون في إنبات النباتات على الرغم منها للحيوانات وللإنسان، وتسخر الحيوان من أجل الإنسان، كما يقوم الإنسان -إن كان على وعي بوظيفته في الأرض كخليفة- بنجدة النبات والحيوان، ويقدم جهوده من أجل الحفاظ عليهما.

وبينما يقوم الحيوان والنبات -ضمن جوقة التعاون الرائع الموجود في الكون- بالطاعة الجبرية للقوانين الإلهية الموضوعة (لأن هذه الطاعة جزء لا يتجزأ من فطرتهما) نرى أن الإنسان الذي جُهز وشُرّف بالإرادة يشترك في كادر وفي نظام هذا التعاون بإرادته. وانطلاقاً من هذا تقع عليه وظيفة القيام بتحويل هذه الأرض إلى ساحة للتعاون والأخوة، وليس إلى ساحة صراع وحرب. ولكن التطوريين يتناولون هذه المسألة بشكل معاكس، لذا لا يمكن القول أنهم لا يتحملون أي مسؤولية عن الانقلابات وعن الصراعات والحروب التي حدثت في العصرين الأخيرين التي كانت بمثابة كوارث دولية وفواجع عظيمة.

وينظر التطوريون إلى هذه الكوارث وإلى أمثالها من الاستعمار الدولي، وتجارة الرقيق والتمييز العنصري، وسيادة القوة على الحق وكأنها "المسيرة الطبيعية" للتاريخ. وبهذا يعطون الحق والشرعية لها بوجه من الوجوه. لذا نرى أن كارل ماركس مؤسس الشيوعية الذي وضع نظريته في التاريخ على هذا الأساس [1] يدين بالشيء الكثير لدارون.

لذا فليس من الغريب أن يكون الشيوعيون من أكثر الماديين ارتباطا بنظرية التطور ودفاعا عنها. لأن نظرية التطور من الأسس التي يستند إليها الإلحاد. وفي الحقيقة فإن جميع هذه العوامل هي الأسباب الكامنة وراء الإصرار للإبقاء على نظرية التطور واقفة على قدميها في دنيا العلم، حيث قلبت هذه النظرية إلى عقيدة وإلى أيدولوجية مقدسة. وكم هو غريب ومتناقض أن نرى هؤلاء وهم يزعمون أنهم أبطال الحرية والمدافعون عن حقوق الإنسان، وحقوق المضطهدين والمسحوقين.

وعلى الرغم من زعم التطوريين حول الانتخاب الطبيعي، فإن الكوارث الطبيعية التي لا قبل لأحد في مواجهتها كالسيول والزلازل وما يتبعها من خراب وانهدام لا تقضي على الأفراد الضعفاء من الأحياء فقط، بل تقضي حتى على أقوى الأقوياء منها. فمثلاً نرى أن موجة بحرية عاتية تضرب الآلاف من الأحياء الضعيفة منها والقوية بالصخور وتقضي عليها، أو تسحبها إلى البحر وتغرقها.

ثم إنه على الرغم من هذا الادعاء فإننا نرى في كل عهد من عهود التاريخ، وفي كل سنة وموسم ويوم أن أضعف الأحياء يعيش -ضمن القوانين الإلهية الموضوعة في الطبيعة- مع أقوى الأحياء جنباً إلى جنب. فنرى الحوت وهو يعيش مع أصغر الأسماك ومع سمك القرش، ونرى في الجو النسر مع اللقلق ومع العصفور والحمام، وفي البر نرى النمل والأرانب والأسود والفهود، والغزلان، والوشق تعيش معاً، حيث نرى أن التوازن البيئي والطبيعي مستمر بدرجة الكمال منذ ملايين السنين دون أن يصيبه أي خلل. بل إن الأغنام والحمام والغزلان وغيرها من الحيوانات الضعيفة غير آكلة اللحوم وغير المفترسة تتكاثر بصورة أقل من غيرها، وتضع مولوداً واحداً أو مولودين فقط في السنة، ومع ذلك نراها أكثر عدداً في كل مكان من الحيوانات المفترسة التي تتكاثر أكثر منها.

إذن فليست هناك عملية إبادة، بل هناك عملية خدمة الحياة، حيث أن الأحياء التي لا تعد ولا تحصى من النباتات والحيوانات التي لا تعقل ما تفعله، تقوم بحياتها ووجودها بتقديم خدمة جليلة، لتحقيق أهداف علوية، وهي بأعمالها هذه تسبح الله تعالى وتحمده. لذا فلا يمكن البحث عن الانتخاب الطبيعي بالمقياس الذي يدّعي التطوريون وجوده في الطبيعة، وليس هو بالقانون الطبيعي الذي لا يمكن رده أو الوقوف في وجهه في الحياة الاجتماعية للإنسان والأمم، ولا ظاهرة اجتماعية سائدة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير