الأخلاق وينهون عن سفسافها وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - لكن لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة. وفي الحديث عنه أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب، هم أهل السنة والجماعة، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة، وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة).
نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمةً إنه هو الوهاب، والله أعلم.
وصلى الله على محمداً وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الباب الثالث
في أن الإتيان بالتوحيد الخبري
وهو (توحيد المعرفة و الإثبات)
لا يكفي للدخول في الإسلام
ويُعلم ذلك بمعرفة أربعة قواعد مهمَّة
الفصل الثاني
في التوحيد الطلبي
أو
القصد و الطلب
إلى ما يعبد به الرب
(و هو توحيد الألوهِيَّة)
• 2 ـ و توحيد الألوهِيَّة:
ـ و هو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد، ولذلك يسمَّى توحيد العبادة أي بالنسبة للعباد، لأنَّ العبادة هي أسُّه و موضوعه، فإنَّ الله عز وجل إنَّما خلق الثقلين وهما: (الجِنَّ و الإنس) لعبادته، قال تعالى {وماخلقتُ الجِنَّ و الإنسَ إلاَّ ليعبُدون}.
ـ و العبادة اسم جامع لكلِّ ما يحبُّه الله من الأقوال و الأفعال الظاهرة و الباطنة، من الدعاء و الخوف والرجاء و التوكل و الرغبة و الرهبة و الخشوع و الخشية و الاستعانة و الاستغاثة و الذبح و النذر إلى غير ذلك من أنواع العبادة، و صرف شيءٍ من هذا إلى غير الله شرك بالله، و منافاة لكلمة التوحيد التي أرسل لأجلها الرسل
(والجامع لعبادة الله وحده: طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه)
ـ و يسمَّى توحيد الألوهية أي بالنسبة لله عز وجل.
و ذلك بإخلاص العبادة لله سبحانه و تعالى لا شريك له، فلا يعبد إلاَّ الله وحده، و لا يدعى إلاَّ هو، و لا يلتجأ لكشف الضر إلاَّ إليه، و لا لجلب الخير إلاَّ إليه، و لا ينذر و لا يذبح إلاَّ له، و لا يتوكل إلاَّ عليه، و لا يستغاث إلاَّ به عز و جل، والكفر بكل ما يهبد من دونه عز و جل.
فأنَّ أوَّل ما فرض الله و أوجبه على بني آدم الكفر بالطاغوت و الإيمان بالله، قال تعالى: {و لقد بعثنا في كل أمَّة رسولاً أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت}.
و الطاغوت لفظ عام، و هو: (كلُّ ما عُبِد من دون الله راضياً بالعبادة). يستكمل من المجموع المفيد صـ555
فأمَّا صفة الكفر بالطاغوت فهو أن تعتقد بطلان عبادة غير الله و تتركها و تبغضها وتكفِّر أهلها وتعاديهم.
و رؤوس الطواغيت خمسة:
الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، و الدليل قوله تعالى: {ألم أعهد إليكم يابني آدم ألاَّ تعبدوا الشيطان إنَّه لكم عدوٌ مبينٌ} [سورة يس / الآية 60].
الثاني: الحاكم لجائر المغيِّر لأحكام الله تعالى، و الدليل قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنَّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، و يريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} [سورة النساء / الآية 60].
الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله،و الدليل قوله تعالى: {و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [سورة المائدة / الآية 44].
الرابع: الذي يدَّعي علم الغيب من دون الله، و الدليل قوله تعالى {عالم الغيب فلا يُظهِر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنَّه يسلكُ من بين يديه ومن خلفه رصداً} [سورة الجن / الآيتان: 26، 27].
الخامس: الذي يُعبد من دون الله و هو راضٍ بالعبادة، و الدليل قوله تعالى: {ومن يقل منهم إنِّي إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} [سورة الأنعام / الآية 59]
¥