، و عدم دعاء غير الله عز و جل سواء استشفاعا به إلى الله عز و جل أوتقرُّباً به لدى الله، أوإستعانة به أو استغاثةً به من دون الله، بل نصرف جميع العبادات البدنية و القلبية لله عز و جل.
ـ و هذ النوع من التوحيد هو الذي أخلَّ به المشركون في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام فصرفوا العبادة لشركائهم من دون لله عز و جل، و لأجل ذلك لم يدخلوا في الإسلام، و قاتلهم الرسول عليه الصلاة و السلام، و استحلَّ دماءهم و أموالهم، قال تعالى {و ما يؤمن أكثرهم بالله إلاَّ و هم مشركون}.
ثمَّ اعلم أنَّ مشركي زماننا من القبورية و أهل المشاهد و المزارات أعظم شركاً من المشركين في عهده عليه الصلاة و السلام لعدَّة أسباب:
1ـ أن المشركين في عهده عليه الصلاة و السلام كانوا يصرفون العبادة لشركائهم حتَّى يقربوهم إلى الله عز وجل و يشفعون لهم عنده.
و يقولون: {ما نعبدهم إلاَّ ليقربونا إلى الله زلفى}، (و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}
أما هؤلاء القبوريون فيقصدون تلك القبور بالدعاء، و يثبتون لشركائهم من أهل القبور تصرُّفاً و تأثيراً في الكون، و حمايةً للبلد الموجود فيه، و يقصدونها استرزاقاً، و التجاءاً، و استشفاءاً من الأسقام، فالله المستعان.
ـ2 ـ أنَّ المشركين في عهده عليه الصلاة و السلام كانوا يشركون في الرخاء، و يخلصون لله عز و جل عند الشدَّة، قال تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فلمَّا نجَّاهم إلى البرِّ إذا هم يشركون}.
و قال تعالى: {و إذا مسكم الضرُّ في البحر ضلَّ من تدعون إلاَّ إيَّاه}
أمَّا أولئك القبوريون فشركهم ثابتٌ رخاءاً و شِدَّة، لأنَّه أكثر استقراراً في قلوبهم من شرك المشركين الأولين، و لذلك فإنهم قد يسمون معبودهم بالغوث، أي أنه من يستغاث به عند الشدَّة من دون الله، و يطلبون منه المدد لدى الشدائد ـ وهو النصرة ـ من دون الله {و ما النصر إلاَّ من عند الله}، ومعلومٌ أنَّ الدعاء هو أخصُّ أنواع العبادة، والاستغاثة وقت الشدائد هي أخصُّ أنواع الدعاء فإنَّّّّّّّّا لله و إنا إليه راجعون.
3 ـ أنَّ هؤلاء إمعاناً في الشرك و الضلال يبنون القبب و الأضرحة على القبور و يسمونها مزارات مشاهد مضاهاةً لبيوت الله، و ربما أوقدوا عليها السرج و القناديل، و وضعوا لها السدنة و المزوِّرين، و أوقفوا عليها الوقوف، و سنُّوا شدَّ الرحال إليها، و ربما وضعوا لها مناسك و صلوات، ممَّا لم يأتِ أهل الجاهليَّة ببعضٍ منه.
منابذةً لقوله عليه الصلاة و السلام: (لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه.
و قوله صلى الله عليه و سلم: (اللهمَّ لا تجعل قبري وثناً يُعبد).
و قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عِيداً) رواه أحمدو أبوداود و صححه النووي و الألباني.
و لما رواه أبو الهياج الأسدي عن علي رضي الله عنه أنَّه قال: (ألا أبعثك بما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألاَّ تدعَ صورةً إلاَّ طمستها، و لا قبراً مشرفاً إلاَّ سوَّيتَه) رواه مسلم.
4 ـ أنَّ هؤلاء القبوريون يذبحون لتلك الجثث الفانية و الرمم البالية من دون الله عزو جل و يدعونهم رغباً ورهباً و يصرفون إليهم سائر أنواع العبادة القلبية و البدنية ممَّا لم يأت أهل الجاهلية بعُشر معشاره.
5 ـ أنَّ كثيراً منهم يتجرَّأ على الحلف بالله كاذباً، و إذا أريد على الحلف بطاغوته الذي يعبده من دون الله عز و جل، تلكأ أو نكل، و ربَّما أقرَّ و اعترف بما فعل فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الفصل الثالث
في
النواقض و النواقص
الباب الأول
في النواقض
نواقض الإسلام
وهو (الكفر الأكبر)
نواقض الإسلام: هي اعتقادات أوأعمال أو أقوال تزيل الإيمان وتقطعه.
و يجمع نواقض الإسلام جميعها إسم الكفر الأكبر، حيث أنَّ الكفر نوعان:
أكبر مخرج من الملَّة و جامعٌ لنواقضِ الإسلام، و أصغر غير مخرجٍ من الملَّة لكنَّه يُنقِص الإيمان، و سيمرُّ بنا الأصغر في باب النواقص.
و تأصيل ذلك ما يلي:
ـ الكفر الأكبر اسمٌ جامع لجميع نواقض الإسلام، و حال المرء من الإيمان بالله عز و جل و كتبه و رسله أو الكفر لا ينفَك عن ستة أقسام:
¥