تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالناقد يكتب عمن هو أهل للكتابة عنده، ولا يلزم أن يكون ما كتبه عنه كله صحيح عنده، فقد يكون يراه صحيحا، وقد يكون يراه خطأ، بل قد يضع الناقد ما يستنكره ويضعفه في مصنف له، ومن نظر في (الجزء المطبوع من علل الخلال) وما فيه من الأحاديث التي ضعفها أحمد وهي في (مسنده) أدرك ذلك بسهولة. فمن المهم جدا معرفة أن الناقد قد يكتب حديثا غريبا، وقد يظهر فرحه به، لكونه ليس عنده قبل أن يقف عليه، وهو مع ذلك يستنكره ويراه خطأ، وما يفعله بعض الباحثين من التعويل على ذلك في تقوية الحديث ليس بجيد، وأكتفي بسوق مثال واحد يتضح به المراد.

التقى أحمد بن حنبل بأحمد بن صالح المصري الحافظ، فجرت بينهما قصة شهدها أبو بكر بن زنجوية، قال ( ... فقام إلية، ورحب به، وقرَّ به، وقال له: (القائل أحمد بن حنبل) بلغني أنك جمعت حديث الزهري، فتعال نذكر ما روى الزهري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلا يتذاكران ولا يغرب أحدوهما عن الآخر، حتى فرغا، فما رأيت أحسن من مذاكرتهما، ثم قال أحمد بن حنبل: تعال نذكر ما روى الزهري عن أولاد الصحابة فجعلا يتذاكران ولا يغرب أحدوهما على الآخر, إلى أن قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح عند الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبدالرحمن بن عوف قال النبي ? (ما يسرني أن لي حمر النعم، وأن لي حلف المطيبين) فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا؟ فجعل أحمد يتبسم ويقول رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح عبد الرحمن بن إسحاق فقال من رواه عن عبد الرحمن؟ فقال حدثناه ثقتان إسماعيل بن علية وبشر بن المفضل فقال أحمد بن صالح سألتك بالله إلا أمليته علي فقال أحمد من الكتاب فقام ودخل فأخرج الكتاب وأملى عليه، فقال أحمد بن صالح لو لم أستفد بالعراق إلا هذا الحديث كان كثيرا ثم ودعه وخرج)

فهذا الحديث قد كتبه أحمد بن حنبل، ويذاكر به، ويرويه مع أنه يراه منكرا، إذ استنكره على عبدالرحمن بن إسحاق وقال ما رواه غيره.

8 والحكم في التفرد كغيره من مسائل هذا الفن، يخضع لنظر الناقد فيما لديه من قرائن وأدلة، وربما وصل فيه إلى ما وصل فيه غيره، لاجتماع قرائن وتعاضدها، وقد يخالف غيره، وهذا ما يفسر لنا استنكار ناقد لحديث، وغيره يراه صحيحا محفوظا، وفي الصحيحين أشياء من هذا القبيل لا أطيل بذكرها.

ـ[عمر الصميدعي]ــــــــ[23 - 03 - 09, 03:09 م]ـ

ومن هذا الباب قول يعقوب بن شيبة في قيس بن أبي حازم ( ... ، وهو متقن الرواية وقد تكلم أصحابنا فيه، فمنهم من رفع قدره وعظّمه، وجعل الحديث عنه من أصح الإسناد، ومنهم من حمل عليه وقال: له أحاديث مناكير، والذين أطروه حملوا هذه الأحاديث على أنها عندهم غير مناكير، وقالوا: هي غرائب, وربما وقع التردد من الإمام الواحد، فقد روى حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس مرفوعا (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، وتفرد به حرمي عن شعبة بهذا الإسناد، وسئل عنه أحمد مرة فأنكره على حرمي، وسئل عنه مرة أخرى فقال أرجو أن يكون محفوظا.

15 وفي رأيي أن موضوع التفرد من أدق قضايا نقد السنة، فهو مزلة قدم بالنسبة للناظر في الإسناد، يجب عليه فيه أن يكون متوازنا، فإنّ إهماله ضعف، والإسراف فيه ضعف أيضا، ولا شك أن الباحث في حاجة إلى ما ينير الطريق له حين النظر في التفرد، وسأحاول ذلك بتخصيص المبحث التالي لضوابط التفرد عند النقاد.

ا لمبحث الثاني

ضوابط النظر في تفرد الثقة ومن في حكمه

يوجد في كلام النقاد على أحاديث وقع فيها تفرد ما يمكن أن يستخلص منه ضوابط في قبول أو رد ما يتفرد به الثقة ومن في حكمه، ومن أول من وقفت على كلام له في تحرير ذلك وبيانه مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه فإنه قال: حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث، أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا. وأمعن في ذلك على الموافقة لهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير