تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(إن جاءك يريد ماله -أي: ثمن الكلب- فاملأ كفه تراباً) أي: ليس له شيء، فهذا يدل على أن المنفعة يشترط أن تكون لغير حاجة، فمنفعة الصيد مباحة، ومنفعة الحرث مباحة، ومنفعة حراسة الماشية مباحة، لكنها أبيحت لحاجة، فلا يجوز أن تبيعه لهذه المنفعة الزائدة عن الإذن الشرعي. قال رحمه الله: [كممر في دار]. كما ذكرنا. قال: [بمثل أحدهما على التأبيد]. (بمثل) هذا لقوله (مبادلة مال)، أي: تبادل المال، والباء هنا للبدلية والعوض، أي: عوضاً عن مثل. والمثل المراد هنا من جهة المالية، أي: مبادلة مال بمال، ولذلك بعض العلماء يقول: البيع مبادلة مال بمال، ويختصر هذه العبارات كلها. فقوله: (بمثل) المراد بذلك أن يكون مالاً، لنفس الشروط وهي: أن يكون فيما أذن به شرعاً، وألا تكون منفعته مباحة للضرورة والحاجة.

التأبيد في البيع قال رحمه الله: [على التأبيد غير رباً وقرض]. قوله: (على التأبيد)؛ لأن البيع ليس على التعقيب، فخرجت الإجارة؛ لأنها على التعقيب، فمثلاً: إذا جاءك رجل وقال: أجرني بيتك، فإنه يقول: شهراً أو سنة، ولا أحد يقول: أجرني بيتك مدى العمر؛ لأننا لا ندري كم العمر، ولا ندري كم المدة، بل منع بعض العلماء من إجارة البيوت -وسيأتي هذا إن شاء الله في باب الإجارة- والمساكن المدد الطويلة، التي لا يؤمن معها بقاء العين، ولا يؤمن معها تغير العين وتغير منافع العين؛ لأن هذا من الغرر، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر -وفي رواية-: نهى عن الغرر) كما في الصحيح، فهذا من الغرر، فإذا أراد أن يبيع فإن البيع إلى الأبد، وبناءً على هذا: لو قال له: أبيعك هذه الدار عشر سنين، أو أبيعك هذه السيارة خمس سنوات، أو أبيعك هذه التجارة سنة؛ لم يصح، وليس هذا ببيع، ولا بجارٍ على عقود المسلمين في البيع؛ لأن البيع يكون إلى الأبد ولا يكون مؤقتاً. وعلى هذا: فإنه لابد في البيع أن يكون على التأبيد، فلو قال قائل: نريد أن نحدث نوعاً من البيع، وهو أن نقول له: بعتك سيارتي أو بعتك داري عشر سنوات أو خمس سنوات، وحدد المدة، تقول: هذا ليس ببيع شرعي؛ لأن حقيقة البيع مبادلة المال بالمال على التأبيد وليس على التعقيب، وهذا ليس من البيع الشرعي، فلا يعتبر ولا يحكم بصحته.

الفرق بين البيع والربا والقرض قال رحمه الله: [غير رباً وقرض]. فقوله: (غير رباً)، الربا أصله الزيادة، وهو في الشرع: زيادة مخصوصة في أشياء مخصوصة على صفة مخصوصة، ويشمل هذا زيادة ربا الفضل وزيادة النسيئة بالأجل، وسيأتي إن شاء الله بيانه وذكر ضوابطه. فلو سكت المصنف وقال: مبادلة مال لشمل الربا؛ لأن الربا يكون مبادلة، فلو قال له: اصرف لي هذه العشرة ريالات بتسعة، فهو رباً؛ لأنه زاد، ولذلك نقول: هذا في الأصل مبادلة فيدخل في البيع، بادله التسعة بالعشرة، وأكل المال بالباطل وهو الريال الزائد، ولذلك لن تجد أحداً يصرف العشرة بتسعة إلا وهو مضطر، والله يقول: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] والله لولا أنه محتاج لهذه التسعة لأجل ظرف نزل به ما صرف العشرة بالتسعة، وليس هناك عاقل حكيم يبذل العشرة مقابل التسعة؛ لأن هذا لا يمكن أن يكون، فهو زيادة، وهذه الزيادة تؤخذ على غير وجهها، فلو لم تحرم من جهة الربا لحرمت من باب أكل المال بالباطل؛ لأن الإنسان ليس فيه شرط الرضا، وقد قال الله عز وجل: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] فهو يعطي العشرة بشيء من الاضطرار والحاجة، فتجده يعطي وهو كاره، وإذا أعطى لا يرضى، ولو أنه ترك على رضاه واختياره ما بادل. فالربا من حيث هو مبادلة المال بالمال، فيدخل في مسمى البيع من هذا الوجه، فلما دخل في مسمى البيع احتاج المصنف أن يخرجه فاستثناه بقوله: (غير رباً)، والحنفية استثنوه بالتراضي، فإن الربا غالباً لا يقع فيه التراضي؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] فوصف بيع الحلال بأنه عن تراضٍ، ولذلك تجد الإنسان يعطي السلعة ويأخذ الثمن، ويعطي الثمن ويأخذ السلعة بالرضا، وغالباً ما يقع الربا في بيوع الصرف، ولذلك احترز المصنف رحمه الله بقوله: (غير رباً). وقوله: (وقرض) والقرض مبادلة،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير