تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلا عبرة به، ولا يوجب الحكم بِحلِّ هذا النوع من المعاملات المحرمة. قال رحمه الله: [وطيرٍ في هواء]. كما قلنا أنه يقع في الحمام الذي يطير ويفر من الإنسان، فإنه لا يصح بيعه إذا كان طائراً في الهواء؛ لكن لو أمكنه أن يمسكه فإنه يصح البيع. قال: [وسمكٍ في ماء]. فلو قال له: هذا السمك الذي في البحيرة ملكٌ لي، أبيعك منه سمكة بعشرة، لا يصح لأمرين: الأمر الأول: الجهالة. الأمر الثاني: عدم القدرة على الإمساك به. لكن لو كان السمك في بركة، أو مستنقع محدود، أو كان في مكان يمكن الإمساك به وأخذه فلا بأس، فمثلاً: الآن بعض باعة السمك يجعل السمك في أحواض، حتى يكون طازجاً في متناول الإنسان، فيكون حديث العهد بحياته فيكون لحمه ألذ وأطيب، ويقول: إذا أردت -مثلاً- من نوع كذا فبعشرة أو من نوع كذا فبعشرين، فهذا جائز؛ لأنه يمكنك أن تمسك به، وإن لم تستطع إمساكه فبإمكانه هو أن يمسك به، فيجوز، لماذا؟ لأن العلة القدرة على التسليم، فلما كان الذي في الحوض مقدوراً على تسليمه واستلامه جاز بيعه وصح، ولما كان أصل العلة هي عدم القدرة فإنه لا يؤثر كونه في حوض مقدور على تسليمه أو مقدور على الإمساك به. قال رحمه الله: [ولا مغصوب من غير غاصبه أو قادرٍ على أخذه]. المغصوب مثل الشيء الضائع، فإنه لو جاء شخص وأخذ سيارتك بالقوة وغصبها منك، أو أخذ أرضك بالقوة واغتصبها منك، أو أخذ كتابك أو قلمك أو شيئاً لك بالقوة، وأنت لا تستطيع أن تأخذ هذا الشيء منه ولا أن تسترده، فلا يحلُّ لك أن تبيعه؛ لأن الخسارة والبلاء نزل بك، فلا يجوز أن تكون أنانياً شحيحاً تلقي بالبلاء على غيرك، فحينئذٍ تصبر، كما لو نزل بالإنسان مرض أو سقم فإنه يصبر على هذا البلاء، فكما أنه يُبلى في نفسه يُبلى في ماله: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [آل عمران:186] فيسعك الصبر، أمّا أن تحمل هذا البلاء على أخيك المسلم، ولو كان راضياً بسفهه، فإنه لا يصحُّ هذا، إلاّ إذا كان الشيء المغصوب يريد أن يشتريه مَنْ غَصبه، فلو قال الغاصب: هذه مائة ألف لقاء أرضك، فيصحّ البيع بشرط: أن تكون راضياً به، أمّا لو كنت غير راضٍ فحينئذٍ يعتبر من أكل المال بالباطل، ويعتبر ظالماً لك في أخذه وانتزاعه منك بالقوة، وأما إذا وجد شخص يقدر على أخذه من الغاصب فمثلاً: أخذ رجلٌ منك سيارة وأنت لا تستطيع أن تأخذها، وهناك رجلٌ قادر على أخذها منه، فقال لك: بعنيها وخلِّ بيني وبينه، فقلت له: أبيعكها بعشرة آلاف، صحَّ البيع وجاز؛ لأن العلة في المنع هي عدم القدرة وقد زالت، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. ...... من شروط صحة البيع: أن يكون المبيع معلوماً بالرؤية أو الصفة قال رحمه الله: [وأن يكون معلوماً برؤية أو صفة]. وهذا هو الشرط السادس: أن يكون المبيع معلوماً برؤية أو صفة، فإذا بعت شيئاً أو اشتريت شيئاً فلابد وأن يكون الثمن والمثمن معلوماً إمّا برؤية أو صفة، وبعبارة أوضح: ألا يكون المبيع مجهولاً جهالةً مؤثرة، فبعض الأحيان يقول لك: أبيعك شيئاً بعشرة آلاف أو بمائة، وهذه جهالةٌ كلية، فلا تدري ما هو هذا الشيء؟ أهو من الأحياء أم من الجمادات؟ أهو غالٍ أم رخيص؟ فهذه جهالة مستحكمة من جميع الوجوه، فلا تدري بجنسه، ولا نوعه، ولا صفته، ولا قدره، ولا عدده، ولا تدري ما هو هذا الشيء، فالبيع باطل ولا يجوز. وفي حكم هذا البيع ما يوجد الآن من شراء الأرقام، فإنك تشتري رقماً لا تدري ما الذي فيه، ولربما دفعت العشرة أو المائة في رقم لا يخرج منه شيء، ففي هذه الحالة تكون الجهالة مستحكمة، وفي بعض الأحيان يكون المبيع معلوم الجنس لكن غير معلوم النوع، أو معلوم الجنس والنوع لكنه غير معلوم الصفة أو غير معلوم القدر أو غير معلوم العدد. ومثال ما كان معلوم الجنس مجهول النوع، كأن يقول له: أبيعك بهيمة بألفٍ، فإن بهيمة الأنعام: إبل وبقر وغنم، فلا ندري أهي من الإبل أم من البقر أم من الغنم، فجهل النوع، والجهالة بعد ذلك مستتبعة، فلا ندري من أي الأنواع، ونفس النوع لا ندري أجيّدٌ هو أم رديء؟ فإذا قال له: أبيعك حيواناً، فهذه جهالة، ولو: حددّ النوع، فقال: أبيعك إبلاً بمائةٍ أو بألفٍ، لم يصح؛ لأنه وإن حددّ النوع فإن الصفة غير معلومة، والعدد غير معلوم، فهذه جهالة للصفة والعدد، ولو حدّد العدد فقال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير