تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله عز وجل أنك إذا جئت تصرف لابد أن يعطيك يداً بيد من أجل الحقوق، ولذلك يظهر لنا في مثل هذا سماحة الشريعة حينما تحفظ للناس حقوقهم من حيث لا يشعرون، فإذا جئت إلى بقالة أو جئت -مثلاً- إلى محل تريد أن تشتري من عنده بعشرة ودفعت له مائة ربما أخذ المائة منك ورماها في الصندوق فإذا قلت له: (أعطني الباقي)، قال: (أي باقي)، فينكر ويقول: لم آخذ منك شيئاً، وربما قال: هذه أربعون، تقول له: أعطيتك مائة والباقي تسعون، يقول: لا، أنت أعطيتني خمسين؛ لكن إذا كنت تعطي بيد وتأخذ بيد فحقك مضمون، والشريعة لا تريد أن يختل أحد أحداً أو يضر بأحد؛ لأنه ليس من العدل أن تدفع المائة ثم يظلمك ويقول: (ما أعطيتني) فهو بشر، وقد لا يقصد ذلك، وإذا رمى بخمسمائة ريال في الصندوق فكيف تثبت أنه أخذ منك خمسمائة، فالناس كلهم مشغولون عند الزحام، وهذا يقع، فالشريعة تحتاط للناس في حقوقهم، فإذا دفعت الخمسمائة وبقي لك الباقي تأخذ بيد وتعطي بأخرى، لماذا؟ لأنك تضمن حقك فلا تظلم ولا تُظلم، فإن أخذ منك ورماها ثم بعد ذلك قال: كم أعطيتني؟ حينئذٍ يقع الضرر فتذهب حقوق الناس ويختلون في حقوقهم المالية، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في حديث عمر في الصحيح: (الذهب بالذهب رباً -أي حرام- إلا هاء وهاء) (هاء وهاء) مثل قولك: (هه)، لما تعطي فيقول هو: (هه)، هذا هو معنى قوله: (هاء وهاء) أي: تعطي بيد وتأخذ باليد الأخرى، وعلى هذا فيجوز الجمع بين البيع والصرف إذا كان يداً بيد بالشرط المعتبر في الأصناف الربوية. قال: [صحّ في غير الكتابة]. وهو البيع والصرف، ولكن الكتابة لا يصحُّ الجمع بينها وبين البيع كما ذكرنا. قال: [ويُقسَّط العوض عليهما]. إذا حصل الفساد وقلنا: لا يصحُّ الجمع بين الكتابة والبيع يقسط العوض عليهما على حسب قيمة الكتابة من السلعة المبيعة، لو قال له: أبيعك داري وأكاتبك باثني عشر ألفاً، فدمجهما في صفقة واحدة صحّ في الكتابة بقسطها وبحقها، وهذا من باب التفريق بين الصفقتين كما ذكرنا في المجلس الماضي. ...... حكم البيع على بيع المسلم والشراء على شرائه قال رحمه الله: [ويحرم بيعه على بيعِ أخيه: كأن يقول لمن اشترى سلعةً بعشرةٍ: أنا أعطيك مثلها بتسعةٍ]. هذا نوع من البيوع التي حرمها الله عز وجل وهو بيع المسلم على بيع أخيه، وهذا النوع من البيوع الأصل في تحريمه قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) فقوله: (ولا يبع) نهي، وفي رواية: (ولا يبع أحدكم على بيع أخيه) وهو: أن تعرض سلعة في مقابل سلعة عرضها أخوك، وحينئذٍ لابد من التفصيل: فإذا جاء أخوك ليشتري سلعة من جارك وعندك نفس السلعة، فلا تخلو المسألة من أحوال: الحالة الأولى: أن يتفق الطرفان على السلعة وعلى القيمة. الحالة الثانية: ألا يتفقا ولا يرضى المشتري بالقيمة ولا يتراكنا ولا يوجبا البيع. ففي الحالة الأولى وهي إذا تراكنا، فمثلاً قال له: بكم هذا الثوب؟ قال: بمائة، فرغبه المشتري وجلس يقلّبه قال: (لم لا تجعله بتسعين؟) قال: (لا بمائة)، قال: (بخمسة وتسعين)، قال: (بمائة)، قال هذا: (الثوب أعجبني)، فإذا جئت في هذه الحالة وقد تراكنا، أي: كاد أن يميل أحدهما للآخر، أو قال له: رضيت؛ لكن لم يفترقا حتى يتم البيع وقلت له: عندي ثوب مثله بتسعين أو بخمسة وتسعين، أو أنا أبيعك بأقلّ مما باعك جاري، فهذا مما حرّمه الله ورسوله؛ والسبب في هذا: أن البيع صار وسيلة لقطع أواصر الأخوة بين المسلمين، وهذا من الإضرار، ويجعل العلماء هذا الحديث وهذا الحكم مندرجاً تحت قاعدة: (الضرر يزال)، وليس من حقك أن تُضِرَّ بأخيك المسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار)، فلا يرضى الإنسان لنفسه أن يُضَر من أخيه المسلم، وكذلك أيضاً لا يجوز له أن يضر بأخيه المسلم، وعلى هذا لا يجوز بيع المسلم على بيع أخيه لما ذكرناه. وهذا بالنسبة لحالة التراكن. لكن لو قال له: أبيعك هذا الثوب بمائة أو بعشرة -كما تقدم-، فقال المشتري: لا أريد، فقلت أنت: أبيعك ثوبي بتسعة أو بتسعة ونصف أو بثمانية صح؛ لأنه قال: لا أريد، فانصرف عن البيعة الأولى وانصرفت همته عن البائع الأول، فصرت أنت وإياه على حد سواء، ولا بأس في هذه الحالة أن تبيع وتعرض سلعتك؛ لأنه مأذون لك بالبيع إعمالاً للأصل. قال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير