تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مجادلةالنوم هبه إلهيه لولاها لاجتاح العالم الجنون، كل ما في الكون ينام و يصحو

و ينام إلا آثامنا و ذكرياتنا التي لن تهدأ أبداً.

و لكنني أخشى النوم، أهاب مجرد التفكير فيه، فكلما غطيت في نمو عميق أستفقت مفزوعاً مفتوح العينين على ذات الحلم المفجع، فقررت ألا أنام إلا غفوات قصيرات متقطعات، فلم تفلح حيلتي و هاجمني ذات الكابوس بين يقظتي و ثباتي، بشكل متفطع، لا فرار من هذه اللعنة التي أصابتني، أكاد أفقد عقلي كلما تحاورت معه في أحلامي و أمليت عليه تساؤلاتي .. جاءني بأجابات مخزية

و ذكرني بأشياء ربما اقترفت بعضها، و ربما هممت و عزمت على القيام ببعضها الآخر .. لكن صوت داخلي لا أعرف مصدره و لا أين يكمن منعني منها، فيجيء هو ليجسدها أمامي

و يستثير اشتهائي لها فيعيدني إلى ما كنت منه انتهيت لأسبح في بحر حيرتي

اللامنتهي و أبدأ معاناتي من جديد بينه هو و بين الصوت الساكن في جنباتي

لا أعرف ما كنهه.

قررت اليوم ألا أغفو أبداً، أخذت كل الاحتياطات التي تكفل دوام يقظتي، أضئت النور من حولي مبهراً، الموسيقى الصاخبة تنسكب في أذني توقظ ما يشوب رغبتي دون اليقظة، كلبي بجانبي سقيته القهوة معي كي لا يهاجمه النعاس، سكبت في فنجاني وهني و ترنحي و ثقل رأسي، وضعت بين راحة كفي كتاب معنون " دع القلق و أبدأ الحياة " هكذا أحكمت قبضتي على جمرة اليقظة المقدسة التي كانت تراوغني فتتركني أتردى في غياهب الغفوات المتقطعة

و الثبات العميق، لألقى فيهما عذاباتي.

- ما هذا؟ أنت جئت مرة أخرى؟!، كيف؟، يا إلهي ارحمني ..

-- قلت لك مراراً إنني لا أجيء، و لا أذهب، أنت الذي تجيء بي حيث تشاء، فأنا آتٍ إليك منك، و بك فيك. إنني أنبعث حين تريدني لأصوغ حلمك أو أمد بساط خيالك، أو أقلب لك ما تدفنه من الذكريات. أنا حامل أوزارك و أوهامك

و مآسيك، أنا الذي لا غنى لك عنه .. و لا لغيرك.

- سأصك أذاني كي لا أسمع ترنيمة تمجيدك لذاتك، فلم أعد أطيق سماعها،

و لا طاقة لطبلتي السماخية بها.

-- أنت لا تحتاج لسماعها بأذنيك، فهي محفورة في وجدانك، كلما اقترفت أي من آثامك، أنتشيت بترديدها داخلك.

- أيها الملعون، أغرب عني بوجهك القبيح، أجرني يا ربي.

-- الآن ترى قبحي؟! ووقت ارتكبت ما تفر منه الآن ألم تكن تستعين بي و بقوتي لأعينك على ما أنت مقدم عليه؟ ألم تكن تستجديني لأخرس هذا الصوت الذي دائماً ما يحول بينك و بين ما ترغب؟، ألم أكن أنا وحدي قادر على هذا؟!، أتنكر!

- لا أنكر استعانتي بك، و حاجتي إليك فيما مضى و لكنِ الآن نويت الثورة على كل ما كان مني، سأغير حياتي نعم سأبدأ من جديد كما يدعوني كتابي.

-- تريد التخلص مني إذن؟! عليك أن تتنصل من ذاكرتك، و تمحو أثار ما أقترفت من قلوب من عذبتهم بنزقك و طيشك، وقتها ربما خففت من زياراتي، و ربما انقطعت عنك إذا ..........

- بالله عليك أزح الغموض عن حديثك.

-- لا تحلفني بذاك الاسم مرة أخرى، هكذا سأجيبك و لن أطيل حيرتك، ألم أقل لك أنني الوحيد الذي يريد لك الراحة و السعادة.

سأكمل ما عنده انتهيت .. إذا قتلت وحدك الصوت النابع من داخلك يحرضك على ألا تفعل ما ترغب و تهوى .. لن أزورك بعد يومي هذا، و سأتركك تنام أنى شئت، لن أرهقك بملاحقتي لك بما فعلت أو أغويك بتجسيد ما ترغب عنه لكي تقدم عليه

و تشتهيه قبل اقترافه.

ستصبح شهوة الصمت التي يحركها الصوت المنبعث من ذاتك منعدمة و فكرة العزلة التي فرضها عليك مستحيلة.

- لكنه لم يفرض علي العزلة أو الصمت إنه كان قراري و اختياري فلقد تركني أختلط فأخطأت، و حثني على الكلام ففعلت ما لا يجبه إلا المحو، و في هذا استحالة كاستحالة هروبي منك، فخيرني فقررت العزلة حتي أستقيم فأعود لأخالط الناس

و يخالطوني على ألا أعود لمثل ما ارتكبت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير