[دراسة لصورة الإفرنج في كتاب الإعتبارلأسامة بن منقذ]
ـ[أسامة الشبانة]ــــــــ[05 - 07 - 2010, 03:21 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
-المقدمة-
الحمد لله وكفى , وصلاة وسلاما على النبي المصطفى , وعلى من سار على دربه واقتفى أما بعد:
إن المتتبع لتصوير صورة الغرب في ثقافة المسلمين , يجد هناك نوعان من التصوير, فنوع يصور الغرب بصورة متحضرة ومتقدمة , لأنه معجب أشد الإعجاب بأمور الحداثة والتقدم العمراني والحضاري.
بينما نجد النوع الآخر متعصبا يمقت الغرب , ويعتبر مجاملتهم أو تمجيدهم أمرا مستنكرا , وضعفا للأمة العربية والمسلمة.
لذلك قلما نجد من العرب من يصور الغرب تصويرا حياديا بعيدا عن حب وتمجيد الذات.
وغالب الدراسات في تصوير الغرب نجدها على شكل المذكرات أو المشاهدات الشخصية , أو في ثنايا كتب السير للأدباء. وخير مثال لذلك كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ , الذي نثر صورة الإفرنج في ثنايا كتابه الذي يعد من أهم كتب السيرة في الأدب العربي.
وحياة أسامة بن المنقذ كانت في فترة الصراع بين المسلمين والإفرنج , وحقيقة هذا الصراع يمثل تلك الحروب والعداوة من الجانبين , والملاحظ أن هذا الصراع لم يكن جديدا في عصر ابن منقذ بل منذ العصور القديمة , وما زال ذلك الصراع باقيا إلى وقتنا الحاضر , ولا يزال باقيا إلى قيام الساعة , لأن هذا الصراع من المسلمات الحياتية التي فطرها الله , ليبتلي خلقه , فقد قال تعالى:
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ).
وقد بنيت الدراسة في هذا المبحث على الجزأين الآتيين:
1 - صورة الإفرنج عند ابن منقذ:
وقد قسمتها على حسب الموضوعات المختلفة , وأوجدت تصوير ابن منقذ للإفرنج من دون تدوين النقد أو الدراسة على هذه الصورة , فقد عرضت ما جاء في ثنايا كتابه , فبدأت بصورة الإفرنج في الحروب , لأن الكتاب أغلبه يتحدث عن ذلك , ثم بصورة الإفرنج في العادات والطبائع , ثم في الفروسية , ثم في الطيور والحيوانات.
2 - دراسة هذه الصور:
وقد درست هذه الصور من خلال الفقرات الآتية:
أ- مدى وضوح ظاهرة (الأنا) عند الحديث عن (الآخر): وهنا تتبعت حديث ابن منقذ وحاولت أن أجد مدى تمجيده بنفسه أو لغته , ومحو صورة الآخر الإيجابية , ومدى حياديته في عرض صورة الآخر.
ب- أسباب هذا التصور: وحاولت عرض الأسباب التي جعلت ابن منقذ يتصور الإفرنج بهذه الصور المتعددة والمختلفة.
ج- وجه المشابهة والمقارنة بين هذه الصور وصورة العرب: وحاولت إيجاد قاسم مشترك بين تصويره لهذه الصور وصورة العرب الحقيقية.
1 - صورة الإفرنج في الحروب
يوجه ابن منقذ في بداية كتابه أشد الألفاظ والدعاء على الإفرنج , حينما كان يصور القتال مع ارتابك الإفرنجي , وهنا يتجلى الصراع الذي يوضح أن الإفرنج بالنسبة إليه أعداء.
كما يذكر ابن منقذ أنه حين كان في مصر اشتبك الجيش المسلم والإفرنجي , فهو قد أنقذ أحد الإفرنج حينما تسلق البيت خوفا من الجيش المصري , مما جعل ابن منقذ يصرخ على الجيوش لينبههم حتى يذهبوا , بعدها سلم ذلك الإفرنجي. ليخرج الإفرنجي كسوة وأعطاها ابن منقذ شاكرا له على صنيعه , فردها ابن منقذ , وهنا يدل على تودد ابن منقذ للإفرنج , كما اتضح روح التعاون بينهم.
كما يصف ابن منقذ الإفرنج في معركة بيت جبريل , أن الإفرنج أكثر الناس احترازا في الحروب , فيتضح لنا هنا صدق رؤيته لهم , لأنهم أعداء ومع ذلك لم يمح الإيجابيات عندهم.
حينما قتل عباس من قبل الإفرنج في فلسطين وفي وادي موسى تحديدا , يصف ابن منقذ حالته بأنها أشد من الموت , ويصف الإفرنج بالشياطين , وهذا الوصف نجده متكررا في ثنايا كتابه.
ومن المشاهد الإيجابية التي يصورها ابن منقذ للإفرنج في الحروب أنه يقول: لم يشاهد أفضل طعنة في الحروب من طعنة إفرنجي لعربي يقال له: سابه بن قنيب الكلابي , حيث قطع له ثلاثة أضلاع من جانبه الأيسر , وثلاثة أضلاع من جانبه الأيمن , فمات من ساعته
كما يصور ابن منقذ شجاعته وقوته هو وعمه على الإفرنج حيث استطاعا أن يقتلا ثمانية من الإفرنج , لكن نجده بعد ذلك يذكر أن رجلا واحدا من الإفرنج استطاع أن يغلبهم , فوقع في نفسه العجب والعتب , فكيف ينتصروا على ثمانية , بينما يغلبهم واحد.
¥