تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الانزياحات البلاغية و النفسية في " قطف الأحلام"]

ـ[محمد يوب]ــــــــ[05 - 09 - 2010, 07:31 م]ـ

الانزياحات البلاغية و النفسية

في

"قطف الأحلام"

تعتبر المجموعة القصصية "قطف الأحلام" للقاص المغربي اسماعيل البويحياوي من بين المجموعات القلائل، التي تخوض تجربة الكتابة عن الذات الكاتبة، الحالمة و المعبرة عن نفسها من خلال الغوص في أعماق الأحلام والبوح عن دلالاتها، في حالاتها النفسية المختلفة التي تتجاذب بين الشعور و اللاشعور، بين الوعي و اللاوعي.

وهي الحالات التي يعبر فيها القاص عن مجموعة من الأحلام، التي كانت واقعا معيشا فاصطدمت بعراقيل و معيقات خارجية، لكن هذه الرغبات أبت إلا أن تخرج إلى الواقع وتعبر عن نفسها، من خلال فلتات قصصية قصيرة جدا، فجرت غشاء المكبوت وخرجت إلى عالم الواقع، يستنتج منها القارئ الفطن ما يقصد القاص الوصول إليه عبر قنوات الكتابة الأدبية، وبالضبط عبر قناة القصة القصيرة جدا، التي تحدث في نفسية المتلقي صدمة الحدث و دهشة القفلة بتلويناتها المختلفة، وشطحات الشخوص التي تقوم بأدوار تمثيلية، تحاكي الواقع و تعكسه بأسلوب أدبي يجمع بين جمالية اللغة و واقعية الواقع.

إنها قصص دودية جدا كما عبر عنها في قصة الدودة (برى قلمه و شرع يكتب قصة حلمه .. لما بلغ الحدث ذروته، سقطت منه دودة (يلقبونه الكاتب الدودة) و طفقت تأكل أشباح فقهاء و قواد و كتاب و حكماء و أفكار متحللة في قاع الكلمات، التفت إلى نفسه فوجد الدودة تأكله.

و كانت النهاية

القصة

الدودة

جدا)

بمعنى أن الكتابة القصصية القصية جدا بمفهوم البويحياوي تتلوى كما تتلوى الدودة، فهي جنس أدبي فريد من نوعه يرفض التموضع في مكان، معين بل ترفض التعريف و التجنيس، إن جمالها في شغبها و في تلويناتها المختلفة و المغايرة.

وقطف الأحلام تنهض على مستويات لغوية متباينة، تغرف من بلاغة اللغة و لغة البلاغة، وتلعب على حبال علم النفس الزئبقية و الممططة.

فعندما نتصفح العنوان ونتمعن فيه، نجده من حيث التركيب النحوي، مكون من خبر في صيغة التنكير و هو لفظ "قطف" الذي أضيف إلى المضاف إليه في صيغة الجمع المعرف.

و "الغاية" من حذف المبتدئ و الاستهلال باللفظة المحور التي هي "قطف" مضافة إلى اسم معنوي، تحيلنا مباشرة إلى صيغة أخرى وهي تركيب الجملة الاسمية على المستوى البلاغي، بحيث إنها تعمل على تجسيد الجملة في شكل جملة استعارية مكنية، تجعل من المعنوي واقعا ملموسا و محسوسا، فأصبحت الأحلام و كأنها ورود يانعة حان موسم قطفها، والقرينة التي تجمع بين الأحلام و الورود هي القطف.

وهذاالانزياح على المستوى البلاغي يعطينا انزياحا على مستوى الدلالة اللغوية و النفسية الذي سنتطرق إليه في القادم من الدراسة و التحليل.

وقطف الأحلام كعنوان وعلى المستوى الشكل وأيقونة الكتابة، وباللون الأسود العريض، الذي يتناغم مع سميائية اللوحة القاتمة الصادمة للقارئ، المتلقي، هذه اللوحة التي تظهر في وسطها تلك الطريق المنعرجة اللامتناهية، التي تخترق شعبا و فجاجا بين الأشجار الباسقة المتفرعة الأفنان، من أجل الوصول إلى العينين الخضراوين، القابعتين في الضفة الأخرى في العالم الآخر، هذه الضفة التي استحال على البطل الوصول إليها في الواقع فحاول معانقتها في الأحلام.

إن صورة الغلاف في المجموعة القصصية، تدفع المتلقي إلى التمعن جيدا في محتوى القصص، لأن القاص حاول أن يعكس من خلال الأحداث، تلك المواضيع المشتركة، التي يجتمع حولها الإنسان العربي، والتي هي مصدر همه.

إنها الرغبة في تغيير هذا الواقع المتناقض الذي ينهض على القمع و الفقر و الجهل و تكميم الأفواه، فلم يستطع التعبير عن هذه العوائق مما دفع القاص إلى التعبير عنها أدبا، لأن ما يميز القاص عن الإنسان العادي هو تمكنه من آلية الكتابة الأدبية، التي تساعده على التعبير عن هذا الواقع المتأزم بأسلوب أدبي.

لقد أضفى القاص على الواقع شيئا من الخيال الذي رفعه من مرحلة التجريد إلى مرحلة الواقعية و الملامسة الحية، بأن جعل منه واقعا متخيلا يصالح الواقع مع الخيال، بل يرفع الواقع إلى العالم المتخيل، الذي يميز العمل الأدبي عن مجالات العلوم الإنسانية الأخرى.

البطل الحداثي في قطف الأحلام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير