تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الأرقام الضائعة _ دراسة سميائية]

ـ[محمد يوب]ــــــــ[01 - 09 - 2010, 02:52 ص]ـ

"الأرقام الضائعة "

دراسة سميائية

محمد يوب

تعتبر القصة فنا من الفنون الأدبية التي اهتمت عبر الزمن الطويل بنقل الواقع المعيش وتسجيله بطريقة فنية و جمالية.

وبهذا المعنى فالقصة تأريخ لمرحلة تاريخية يعيشها القاص وينقلها في عمله القصصي بطريقة فنية متخيلة، ترقى بالواقع المعيش من مستوى الواقع الملموس المضطرب، إلى المستوى الفني و الجمالي الهادئ الذي يرقى بالنفوس ويمتعها ويهذبها.

و المجموعة القصصية " الأرقام الضائعة " للقاص المغربي بوعزة الفرحان، واحدة من مجاميع قصصية كثيرة و متعددة عرفتها الساحة الأدبية التي نزلت إلى الواقع المغربي و نقلته أدبا.

الأرقام الضائعة المكونة من اثنتي عشرة قصة مشكلة في مجموعها مائة وتسع صفحات من الحجم المتوسط، يرصد الكاتب من خلال هذه الصفحات واقعا مخالفا متحولا، ولفهم هذا الواقع لابد من تفكيك هذه النصوص القصصية، وذلك بالانطلاق من داخل النص لأن مهمة الناقد " تفكيك الخطابات وفك عرى النصوص للكشف عن الوجه الآخر للأمور"

و الوجه الآخر لهذه المجموعة القصصية هو الذي يعنينا، أي ينبغي علينا كشف الجوانب السياسية و الاجتماعية و الثقافية فيها ....... في ضوء السميائيات السردية، وسنشتغل على ثيمات مختلفة منها:

1. ثيمة سميأة الغلاف

2.ثيمة سميأة الأبطال

3. التفضيئ الزمكاني

4. الانتقال من الدور الثيميائي للأبطال إلى الدور التصويري

5.الانتقال من النموذج العاملي إلى المربع السميائي

قبل تفكيك النصوص القصصية لابد لنا من الوقوف سميائيا على ثيمة الغلاف الذي جاء باللون الأزرق، الذي يدل عادة على كل ما هو فسيح و ممتد في الأفق.

فهو لون مرتبط بالبحر وبالسماء، إنه لون يمتد عبر الزمان اللامتناهي، عبر الفضاء الرحب، فضاء البحر و أمواجه العاتية و المضطربة اضطراب الأشخاص المشكلة لهذه المجموعة القصصية، التي تتصارع فيما بينها من أجل تحقيق غد أفضل، و لو كان ذلك على حساب جلد الذات، ورميها إلى مصير مجهول، مصير الغرق مثلما وقع لعلال الجنداري.

و اللون الأزرق رمز للون ماء النيل الذي أخذت منه أمثال شعبية عديدة منها: يومك منيل بستين نيلة، فكانت أيام بل حياة الأشخاص في هذه المجموعة القصصية مليئة بالمفاجآت التعيسة.

إنها إشارة إلى الحياة الصعبة و ضنك الظروف المزرية، ولذلك فاستخدام القاص لهذا اللون لم يكن اعتباطيا، بل كان من أجل توظيف سميائي، الهدف منه إثارة انتباه القارئ بواسطة عامل الصدمة الذي يحدثه هذا اللون في نفوس الأرقام الضائعة.

ووسط الغلاف الأزرق هناك ملصق عليه سلسلة من الأرقام التي تموه بطريقة فنية وجمالية، فهي توحي للقارئ بصورة الأوراق النقدية من فئة مائتي درهم.

بمعنى أن كل هذه الأرقام الضائعة لها هذا الهم، وهو الرغبة في الحصول على أعداد كثيرة من هذه الأوراق النقدية بطرق مختلفة، منها الهجرة السرية، أو الرشوة أو التجارة في المخدرات ....

إن الأبطال في هذه المجموعة القصصية ليسوا أبطالا تقليديون من لحم ودم، وإنما هم دلالات أيقونية (حسب الدراسات السميائية) ذات مرجعية ثقافية معينة، لأن الأبطال في كل القصص هم أنفسهم فقط يختلفون باختلاف الأدوار التي يسلمها لها الكاتب.

فنحن إذن أمام مجموعة قصصية حداثية يكون فيها الأبطال مجرد أبطال من ورق، يغيرهم الكاتب بالطريقة التي يريد:" هكذا تخيل إلي الإنسان في هذه الحياة .... فهو كورقة تافهة في عالم الأحياء، يولد .... يحيى .... يتحرك .... يقتات .... يبلى .... ترفضه الطبيعة، ويرقد الرقدة الأخيرة في قبره .... فلم يعد يذكر إلا نادرا من أهله".

وهؤلاء الأبطال هم أنماط نموذجية استقاها الكاتب من الوصف البصري لهذه الشخصيات، مع اختلاف الأدوار، بين الأدوار الأساسية، و الأدوار الثانوية و الأخرى الهامشية ...

و الحياة بالنسبة للكاتب انطلاقا من هذا المنظور عبارة عن مشهد لم يكتمل بعد، إنها مسرحية الحياة بمشاكلها ومعاناتها. وهذه المسرحية لا تتكرر، فقد تتكرر المأساة و المعاناة ولكن الحياة بمفهومها الفلسفي العميق لا تتكرر، لأن الإنسان لا يستحم في النهر مرتين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير