كما يصف ابن منقذ أحد فرسانهم بالشجاعة , حيث يقول أن فارسا من فرسانهم استطاع أن يغلب أربعة فرسان من المسلمين , وهؤلاء الأربعة بدأ الناس يستخفون بهم فأصبحوا من أشجع الشجعان بعد تغلب الإفرنجي عليهم وعيب الناس عليهم.
كما يصور ابن منقذ فارسا من فرسان الإفرنج استطاع أن يغلب ثمانية من المسلمين.
كما يصور ابن منقذ أحد فرسان الإفرنج الذي غلبه نمر قوي , حيث قال لهم هذا الفارس إذا خرج عليك هذا النمر فأخبروني , وحينما خرج وقابله بعد ما لبس درعه وحصانه و سلاحه استطاع النمر أن يغلب هذا الفارس الإفرنجي فأسقطه ومات, فسمى الفلاحون هذا النمر بالنمر المجاهد.
4 - صورة الإفرنج في الطيور والحيوانات
يثني ابن منقذ على باز إفرنجي قد وجده والده , حيث يقول أنه من أشطر الجوارح وأحسنها , بعدما مدح الباز العربي.
كما يثني على كلاب صيد كانت تأتي من بلاد الروم لوالده , وكانت لا تعرف إلا الصيد , كما كانت تتوالد عند أسامة ووالده
يقارن ابن منقذ بين الخيل العربية والإفرنجية , حيث يقول بأن الخيل العربية أكثر وفاء حيث حينما يصاب فارسها بأي إصابة فإنها تحاول أن ترجع له وأن تساعده على القيام ولا تتركه , بينما الخيل البراذين – الغير عربية- فإنها تذهب وتتخلص من فارسها.
كما يصف ابن منقذ الكلاب الزغارية وهي الكلاب التي جاءت من بلاد الروم أنها لا تأكل الطيور ولا تأكل إلا رؤوسها فقط , وهنا يمدح الكلاب الغير العربية
دراسة هذه الصور
أ- مدى وضوح ظاهرة (الأنا) عند الحديث عن (الآخر):
إن المتتبع لنظرة ابن منقذ للإفرنج يجد نظرة حيادية متوازنة إلى حد ما , بعيدة عن الأنا وحب الذات المتغلغلة في البشر , حيث نجده يصور بعض السيئ من عاداتهم وحروبهم و فروسيتهم , ويثني أيضا على بعض الحُسُنِ من تلك الأمور , كما نلاحظه يذكر سلبيات قومه و ايجابياتهم , وكأنه يريد القول بأن هناك أمورا إيجابية عند الآخر وأمورا سلبية أيضا , كما عندنا تماما , وأن درجة الكمال منتفية عن البشر.
كما نلاحظه يخالط الإفرنج كثيرا , فيعمل عندهم , و يشتري منهم , ويطلب خداما منهم , وهذه المخالطة مع كونها ضرورية إلى حد ما بسبب التعايش والقرب بينهم إلا أن ابن منقذ كان موقفه موقفا موافقا لهذه المعايشة , وهذه المعايشة تنفي حب الذات والأنا حيث أن المحب لذاته رافضا لغيره , خاصة إذا كان الآخر في موقف المعادي.
كما نجد الصورة البارزة عند حديثه عن الآخر تظهر بأن هناك صراع قائم بينه وبين الآخر , وهذا هو واقع الحياة , لأن الصراع قائم بين المسلمين والكفار , وكانت شدة هذا الصراع قائمة في حياة ابن منقذ حيث كانت العداوة والحروب بين المسلمين والكفار.
ب- أسباب هذا التصور:
إن نظرة ابن منقذ الحيادية للآخر نرجع سببها الأول إلى عقلية ابن منقذ الفذة في تصوير الآخر , أما نظرته الأخرى السلبية مثل: تكرار الدعاء عليهم , ووصفهم بالشياطين وغيرها , يظهر الصراع العدائي بين العرب والإفرنج , وأيضا بسبب الحروب المتكررة , والحياة الفوضوية في ذلك الوقت , كما أيضا ظلم الإفرنج للعرب , و سيطرتهم على الممتلكات الإسلامية والعربية , مما جعل ابن منقذ يتلفظ عليهم ببعض الألفاظ التي يمكن أن تشفي غليله , وتذهب حسرته. مع أن ابن منقذ لم يتهجم تهجما قويا مع كونه في موقف المظلوم.
ج- وجه المشابهة والمقارنة بين هذه الصور وصورة العرب:
ابن منقذ لم ينص على المقارنة بين الصورتين إلا قليلا فمن ذلك حين يقارن بين الخيل العربية وغيرها في الوفاء.
لكنني ألمح مقارنة خفية فحين يذكر صورة من صور الإفرنج يذكر بعدها صورة مماثلة عند العرب وهذا كثير في كتابه , وخير مثال حين مدحه لإحدى الفارسات من الإفرنج التي استطاعت أن تدمي أحد الفرسان في وجهه , بعدها ذكر بطولة إحدى نساء المسلمين حينما استطاعت أن تأسر ثلاثة من فرسان الإفرنج وتسلب أموالهم , ثم تطلب من قومها أن يقتلوهم ففعلوا.
كما نجده ينص بتطبيقه بعض الأمور التي استفادها من أحد أطباءهم الذي عالج أحد فرسانه الذي نزفت قدمه , فوضع عليها الخل حتى توقف النزيف , هنا يقول ابن منقذ أنني طبقتها ووجدت الفائدة. وهنا يتضح تأثر ابن منقذ من الإفرنج في طبهم.
كما ألمح أن الصورة العربية التي يأتي بها ابن منقذ غالبا تكون مماثلة لصورة الإفرنج , إن لم تعلو عليها يسيرا في بعض الأحيان.
كما وجدته يبين وجه التأثر سواء من العرب أو الإفرنج , حيث يقول أن أحد الإفرنج لا يأكل الخنزير ثم قال بعدها أنه قد تأثر بطبع المسلمين لمعاشرته لهم طويلا , ويذكر أيضا أنه تأثر منهم في وضع الخل على الجرح ليتوقف النزيف.
-الخاتمة-
صورة الغرب في ثقافة المسلمين هي أحد طرفي العلاقة بين الشرق والغرب وكل طرف له أثر لدى الطرف الآخر بحركة مزدوجة سلباً وإيجاباً، ذلك أن أهمية الآخر تكمن في أنه يشكل جزءاً من الذات.
بعد استعراضي للصور التي صورها, نجد أن ابن منقذ قد نثر هذه الصور في ثنايا كتابه , كما أنه لم يكن مجافيا نحو تصوير الأخر , كما أنه لم يصور الآخر بالإعجاب , لكنه صور الإفرنج بصورة الواقع الذي يعيشه , والأحداث التي شاهدها.
والحقيقة أن ابن منقذ اختلف عن سابقيه في عرض تلك الصور حيث كان متوازنا في عرض هذه الصور , بعيدة عن الصراع الذي يعيشه , والذي نراه في المؤلفات العربية.
هذا والله أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرجع:
كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ حرره فليب حتي, د, ف , مكتبة الثقافة الدينية ,مصر القاهرة.
(رجاء حقوق النقل محفوظة باسم الكاتب)
¥