في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار ...
إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ.
في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ.
يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ
فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ
يقول: إلي أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ؟
تقول: إلي بُؤرة الضوءِ في داخلي
وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْ
سيمتدُّ هذا الحصار إلي أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر،
أَن الضَجَرْ
صِفَةٌ من صفات البشرْ.
لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ
قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء
بما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ.
قلبي بريء مضيء مليء،
ولا وقت في القلب للامتحان. بلي،
لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّي أُحبَّك؟
هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي،
وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟
لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ
هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ.
عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ ...
ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ!
جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍ
تؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل،
أَو في المداخن، أو في الخيام التي
نُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ ...
علي طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ،
والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتي
ويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْ
بأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْ
الأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتها
رُبَّما مَسَّها خَلَلٌ طارئٌ
ربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍ
غيرِ مأهولةٍ،
فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ،
ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها.
كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمها
عدَّلَتْهُ بجرَّافة.
فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ،
بيضاءُ من غير سوء ...
(إلي شبه مستشرق): ليكُنْ ما تَظُنُّ.
لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ.
ولا أَلعبُ الجولف.
لا أَفهمُ التكنولوجيا،
ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ!
أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟
لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري،
لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء.
أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّة
قلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟
في الحصار، يصير الزمانُ مكاناً
تحجَّرَ في أَبَدِهْ
في الحصار، يصير المكانُ زماناً
تخلَّف عن أَمسه وَغدِهْ
هذه الأرضُ واطئةٌ، عاليةْ
أَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْ
لا نُبالي كثيراً بسحر الصفات
فقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ،
جغْرافيةْ!
أَلشهيدُ يُحاصرُني كُلَّما عِشْتُ يوماً جديداً
ويسألني: أَين كُنْت؟ أَعِدْ للقواميس كُلَّ الكلام الذي كُنْتَ أَهْدَيْتَنِيه،
وخفِّفْ عن النائمين طنين الصدي
الشهيدُ يُعَلِّمني: لا جماليَّ خارجَ حريتي.
الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدي
عن عذاري الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ
علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين،
لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ
عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ.
الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازة
إلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةً
من أَحَدْ.
الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ.
وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً:
كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي.
أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً!
الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوي موقعي وأَثاثي الفقيرِ.
وَضَعْتُ غزالاً علي مخدعي،
وهلالاً علي إصبعي،
كي أُخفِّف من وَجَعي!
سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.
أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة
القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ:
داءِ الأملْ.
وفي ما تبقَّي من الفجر أَمشي إلي خارجي
وفي ما تبقّي من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.
سلامٌ علي مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلي
نشوة الضوءِ، ضوءِ الفراشةِ، في
ليل هذا النَفَقْ.
سلامٌ علي مَنْ يُقَاسمُني قَدَحي
في كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين:
سلامٌ علي شَبَحي.
(إلي قارئ): لا تَثِقْ بالقصيدةِ ـ
بنتِ الغياب. فلا هي حَدْسٌ، ولا
هي فِكْرٌ، ولكنَّها حاسَّةُ الهاويةْ.
إذا مرض الحبُّ عالجتُهُ
بالرياضة والسُخْريةْ
وَبفصْلِ المُغنِّي عن الأغنيةْ
أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً
للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ
وشاهدةً من رخام الزمن
فأسبقهم دائماً في الجنازة:
مَنْ مات .. مَنْ؟
الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الي. . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ!
الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ
وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد
وجارةُ عمِّ الشهيد غالخ ... الخ .. ف
ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن،
فالزَمَنُ البربريُّ انتهي.
والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ،
والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ و غ الخ ... الخ ف
هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون
في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات
التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة
البُنّ في دمهم، طازجة.
هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ؟
قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا،
فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس.
عندئذٍ نتباري علي حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ.
فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس
يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد؟
فقلنا: وماذا؟ ... وَبعْد؟
الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ
الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ ..
فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ
الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط
نحو آخرَ مثل الغزالة.
والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا
من سماء. وأشياءُ أخري مؤجَّلَةُ الذكريات
تدلُّ علي أن هذا الصباح قويّ بهيّ،
وأَنَّا ضيوف علي الأبديّةْ.
رام الله ـ يناير 2002
¥