أما محمود حسن إسماعيل فكانت علاقته به هي أوثق علاقة ربطته بشاعر في عصره، وكان يقول: "تركت الشعر لمحمود حسن إسماعيل"، وكانت بداية علاقتهما في مكتب أحمد حسن الزيات صاحب "الرسالة" وكان إسماعيل يقرأ لوالدي مقالاته فيها كما كان والدي يقرأ أيضا أشعار إسماعيل ويعجب بها. وتصادف في هذا اليوم أن كان والدي يعطي قصيدة للزيات لنشرها في الرسالة وقرأها الزيات بصوته بإعجاب شديد، لكنه استفسر عن ترك القصيدة بلا عنوان، وساعتها أمسك محمود حسن إسماعيل القصيدة وأخرج قلما وكتب عليها بخط يده: "رماد" وبالفعل نشرت القصيدة في الرسالة بهذا العنوان، وبعد هذا توطدت لقاءاتهما وعلاقتهما حتى أصبحت صداقة من نوع فريد.
وعلاقته بك أنت وبابنته الوحيدة "زلفى"؟
-ولدت أنا وبعد شهرين بالضبط من ولادتي دخل أبي المعتقل وحينما خرج كان عمري أربع سنوات، ومنذ الطفولة كان أبي متدفق المشاعر جدا تجاهنا، وكان إذا غضب يفعل ما يعبر به عن غضبه وبحدة لا حدود لها، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمضايقات نتعرض لها. وأذكر أنه خنق بواب العمارة وخلصه الناس من بين يديه؛ لأنه منعنا من اللعب في مدخل العمارة بدون أسباب. وكان حريصا جدا على أن نتم حفظ القرآن الكريم كاملا في الطفولة وقد كان هذا بعون الله.
كان العلامة محمود شاكر أكثر علماء وأدباء عصره دراية بالأدب واللغة وعلوم العربية كلها .. من كان يفضل هو شخصيا من الأدباء؟
في النثر كان يجل الجاحظ ويرى أنه قمة الأدب العربي ولم يكن يحب كتب ابن المقفع ويراه فارسيا حتى وإن تربى وعاش بين العرب. وفي الشعر كان يحب الشعر الجاهلي الذي أحاط به إحاطة كاملة غير مسبوقة، لكن المتنبي كان بالطبع حبه الأول والأخير، كان يحفظ ديوانه كله، وكان يعرف كل ما اختلف فيه القدماء حول شعر المتنبي ويدافع عنه دفاعا حارا ينقل لنفس محدثه فورا الإعجاب بهذا الشاعر العربي الأعظم، وكان دائم الترنم بأشعاره وروايتها في كل المناسبات بإلقاء لم أسمع له نظيرا.
ومن الأدباء المحدثين الذين ارتبط بهم بعلاقة خاصة جدا من المودة والإكبار الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي، بل إن أبي رحمه الله كان يعتبره أستاذه الأول وكان يعتبره أكبر وأخلص من دافع عن الأدب العربي عن علم وموهبة وحرارة، وقد دخل في معركة ضخمة مع سيد قطب رحمه الله حينما هاجم الرافعي لصالح العقاد، وقد رد أبي ودافع عن الرافعي بحرارة وحسم.
اختلف الشيخ شاكر مع الإخوان المسلمين .. هل تقابل مع حسن البنا، وماذا كان رأيه فيه؟
- كان يتضايق ويغضب من منطق أن السياسة قد تجوز لبعض أهلها التحدث في الدين ثم يتحولون إلى رموز دينية، وهو لم يكن يرى حسن البنا كذلك بالطبع، لكنه كان يراه رجل سياسة أكثر منه عالم دين، لكن كان تربطه علاقة وثيقة جدا مع الصداقة المستمرة بالشيخ أحمد حسن الباقوري عليه رحمة الله.
لم يأخذ الشيخ شاكر حظه من الشهرة وذيوع الصيت .. هل كان ذلك بسبب عزلته أم بسبب مصادمة أفكاره لقيم عصره كلها؟
- لم تكن قضية الشهرة تعنيه كثيرا، ودائما ما كان يردد: "كتبت ما يرضيني ولست رجل شهرة" وكان يقول: إن وظيفته الأولى والأخيرة أن يقرأ. وبمناسبة عزلته هو لم يكن معتزلا للمجتمع بالمعنى السلبي، فقد كان متابعا دقيقا للحياة الأدبية والفكرية في مصر والعالم العربي لكنه كان لا يحب أن يتحدث مع الصحافة ولا التليفزيون وكان رأيه فيهما سيئا.
كان رحمه الله شديد التعصب للعربية حادا في الدفاع عنها .. هل كان يقرأ شعر العامية الذي نما وانتشر بعد الخمسينيات حتى طغى في بعض المراحل على شعر الفصحى من حيث الانتشار؟
- كان يسميه زجلا وكان يقرؤه بالطبع وكان معجبا بفؤاد حداد ويقول إن لغته حلوة وتنم عن ثقافة عميقة وقراءات واسعة في الشعر العربي، كما كان يحب أشعار صلاح جاهين، وربما انتبه له بفضل حديث يحيى حقي رحمه الله الدائم عنه كلما جلس مع أبي.
والغناء .. ماذا كان رأيه فيه؟
كان يطرب للغناء طربا شديدا، لكن الغناء كله تلخص عنده في صوت أم كلثوم التي كان معجبا جدا بحلاوة وقوة صوتها وعمق ارتباطها بالشعر العربي ودقة مخارجها للحروف، وقد كان ينوي كتابة مقال مطول عنها، لكنه توفي قبل إتمامه.
كيف كان رأيه حينما اشتدت أزمة الدكتور نصر أبو زيد، وما رأيه في كتبه؟
¥