تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تنوعت أوجه الأداء في قوله تعالى:) مالك (على وجهين بَيّنَهما أهل الاختصاص على النحو الآتي:

قال ابن مجاهد ([1]) –رحمه الله -: ” اختلفوا في قوله) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (في إثبات الألف وإسقاطها؛ فقرأ عاصم ([2]) والكسائي ([3])) مالك يوم الدين (بألف وقرأ الباقون) ملك (بغير ألف ... وحجة من قرأ مالك قوله تعالى:) قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ((26:آل عمران) ولم يقل ملك الملك. ومالك أمدح من ملك لأنه يجمع الاسم والفعل، وروى بسنده عن أبي عمرو ([4]) قوله: مَلِك تَجْمَع مَالِكا و مَالِك لا يَجًمَع ملكا، وحجة من قرأ ملك قوله تعالى:) مَلِكِ النَّاسِ ((2:الناس) وقوله تعالى:) الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ((23:الحشر)([5]).

المسألة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية

دارت أكثر أقوال المفسرين في بيانهم لمعنى هذه الآية الكريمة على بيان معنى كل وجه من أوجه القراءة الواردة فيها، وبيان أي القراءتين أمدح في حق الله سبحانه وتعالى، ويظهر ذلك جليا في أقوالهم؛

فهاهو ابن جرير الطبري ([6]) -رحمه الله- يقول: ” تأويل قراءة من قرأ ذلك) مالك يوم الدين (أن لله الملك يوم الدين خالصا دون جميع خلقه الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكا جبابرة ينازعونه الملك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية، فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصَّغرة الأذلة وأن له دونهم ودون غيرهم الملك والكبرياء والعزة والبهاء، كما قال جل ذكره وتقدست أسماؤه في تنزيله) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ((16:غافر) فأخبر تعالى أنه المنفرد يومئذ بالملك دون ملوك الدنيا الذين صاروا يوم الدين من ملكهم إلى ذلة وصغار، ومن دنياهم في المعاد إلى خسار. وأما تأويل قراءة من قرأ) مالك يوم الدين (فما حُدِّثنا به ... عن عبد الله بن عباس يقول: لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا، ثم قال) لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ((38:النبأ) وقال) وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ((108:طه) وقال) وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ((28:الأنبياء). - قال أبو جعفر- وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين ([7]) في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة من قرأ ملك بمعنى المُلك؛ لأن في الإقرار له بالانفراد بالمُلك إيجابا لانفراده بالمِلك، وفضيلة زيادة الملك على المالك إذ كان معلوما أن لا ملك إلا وهو مالك وقد يكون المالك لا ملكا “ ([8]).

ولم يخرج الإمام البغوي ([9]) – رحمه الله – عمّا أورده ابن جرير وإن قدم كلامه في هذا الموضوع بمقدمة تجمع بين وجهي القراءة حيث يقول:” قال قوم معناهما واحد مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين ومعناهما الرب؛ يقال رب الدار ومالكها. وقيل المالك هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود ولا يقدر عليه أحد غير الله. قال أبو عبيدة ([10]) مالك أجمع وأوسع لأنه يقال مالك العبد والطير والدواب ولا يقال ملك هذه الأشياء، ولأنه لا يكون مالك لشيء إلا وهو يملكه وقد يكون مَلَك الشيء ولا يملُكه، وقال قوم: ملك أولى لأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا، ولأنه أوفق لسائر القرآن مثل قوله تعالى) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ((114:طه) و) الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ((23:الحشر) و) مَلِكِ النَّاسِ ((2:الناس)([11]).

وحاول بعض أهل التفسير الجمع بين القراءتين، نحو ما فعل الشوكاني ([12]) حيث يقول: ” اختلف العلماء أيّهما أبلغ ... والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور والملك أقوى من المالك في بعض الأمور. والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله“ ([13]).

المسألة الثالثة: أثر القراءات في التفسير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير