تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن تنوع القراءات القرآنية في هذه الآية الكريمة يظهر المعنى الكلي للآية الكريمة بأكمل وأجلى وجه، وقد علم أهل التفسير أن تنوع القراءات يفضي إلى تنوع المعاني ولذلك راحوا يفاضلون بين القراءتين أيُّهما أمدح لله سبحانه وتعالى، وهذا أمر لا ينبغي أن يكون – أقصد المفاضلة بين القراءات- لأن هذه الأوجه إنما ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحقيقة الأمر إن المعنى القرآني لا يكتمل إلَّا بالجمع بين القراءتين ولبيان ذلك أقول؛

معلوم مما تقدم أن المَلِك هو الحاكم النافِذُ أمرُه والذي له الأمر المطلق دون غيره، وأن المَالِك هو الذي ترجع له مِلكِيَّة الأعيان، ويكون له حق التصرف فيها. وهذا الأمر هو لله سبحانه وتعالى في الدارين على الحقيقة، يقول تعالى:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ((67:يوسف)،ويقول سبحانه:) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ((114:طه) فالله سبحانه وتعالى هو الملك الحق في الدارين. وهو سبحانه مالك كل شيء يستخلف في مِلكه من يشاء من عباده يقول سبحانه وتعالى:) قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ((26:آل عمران)، وهذا الأمر على حقيقته في الدارين أيضا.

لكن يُرى في الدنيا من يوصف بهذا الوصف المذكور في الآية الكريمة -أقصد- ملك ومالك. وهذه الآية الكريمة –موضوع البحث- إنما تتحدث عن يوم مخصوص وهو يوم القيامة، وهذا اليوم لا يشهد فيه ملك لا على الحقيقة ولا على المجاز إلّا الله سبحانه وتعالى، وكذلك لا يشهد فيه مالك لا على الحقيقة ولا على المجاز إلا الله سبحانه وتعالى، فملك هذا اليوم هو مالكه. ولأنه يشهد في الحياة الدنيا فرق بين الملك والمالك جاءت هذه الآية الكريمة في ذروة البلاغة مشيرة إلى قَصْرِ هاتين الصفتين على الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم.

ولو اقتصرت الآية الكريمة على جانب واحد من جوانب القراءة نحو ملك لجاز أن يطرح سؤال فمن مالكه؟ أو هل هنالك مالك آخر في هذا اليوم؟ ...

فانظر أخي الكريم وفقنا الله وإياك لكل خير كيف أن هذه الآية الكريمة بقراءتيها بَيَّنت أن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم المطلق يوم القيامة، والمالك المتفرد في ملكيّه هذا اليوم، وحالت دون أن يَجِيشَ في النفس سؤال قد يُزِل الإنسانَ عن جادة الطريق.

المبحث الثاني: قوله سبحانه وتعالى

) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ((9:البقرة).

المسألة الأولى: القراءات الواردة في هذه الآية

تنوعت أوجه الأداء في قوله تعالى:) يخدعون (من حيث إثبات الألف وحذفها، وهذا ما أظهره أهل هذا الفن، يقول ابن خالويه ([14]): ” قوله تعالى:) وَمَا يَخْدَعُونَ (يقرأ بضم الياء واثبات الألف، وبفتح الياء وطرح الألف. فالحجة لمن أثبتها أنه عطف لفظ الثاني على لفظ الأول ليشاكل بين اللفظين، والحجة لمن طرحها أن (فَاعَلَ) لا يأتي في الكلام إلا من فاعلين يتساويان في الفعل كقولك قاتلت فلانا وضاربته والمعنى بينهما قريب ألا ترى إلى قوله تعالى قاتلهم الله أي قتلهم فكذلك يخادعون بمعنى يخدعون“ ([15]).

وبَيَّن ابن مجاهد أصحاب كل وجه حيث قال: ” قرأ نافع ([16]) وابن كثير ([17]) وأبو عمرو) وما يخادعون (بالألف والياء مضمومة، وقرأ عاصم وابن عامر ([18]) وحمزة ([19]) والكسائي) وما يخدعون (بفتح الياء بغير ألف“ ([20]).

وأشار ابن زنجله إلى أوجه القراءة الواردة في هذه الآية الكريمة، واحتج لكل وجه حيث قال: احتج أبو عمرو بأن قال إن الرجل يخادع نفسه ولا يخدعها، قال الأصمعي ([21]) ليس أحد يخدع نفسه إنما يخادعها. وحجة من قرأ بغير ألف أن الله أخبر عن هؤلاء المنافقين أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر فأثبت لهم مخادعتهم الله والمؤمنين ثم يخبر عنهم عقيب ذلك أنهم لا يخادعونه ولا يخادعون إلا أنفسهم فيكون قد نفى عنهم في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوله ولكنه أخبر أن المخادعة من فعلهم ثم إن الخدع إنما يحيق بهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير