تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول ابن مجاهد ([1]) – رحمه الله-: ” واختلفوا في قوله تعالى:) فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات (قرأ ابن كثير ([2]) وحده) فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ (. وقرأ الباقون) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ (“ ([3]).

وأورد ابن خالويه ([4]) –رحمه الله– هذه الأوجه وحجَّتها فقال:” قوله تعالى:) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ (تقرأ برفع آدمُ ونصب الكلماتٍ، وبنصب آدمَ ورفع الكلماتٌ. فالحجة لمن رفع آدم أن الله تعالى لما علّم آدم الكلمات فأمره بهن تلقاهن –آدم– بالقبول عنه –سبحانه وتعالى–، والحجة لمن نصب آدم أن يقول: ما تلقاك فقد تلقيته، وما نالك فقد نلته، وهذا يسميه النحويون المشاركة في الفعل “ ([5]). وجمع ابن زنجلة ([6]) -رحمه الله – بين سابقيه، فأورد القراءات وأسندها إلى أصحابها واحتج لكل وجه على نحو ما فعل ابن خالويه - رحمه الله - ([7]).

المسألة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة

لعلم أهل التفسير بما للقراءات القرآنية الكريمة من عميق أثر في الكشف عن معاني الآيات الكريمة فإنهم لا يكادون يدعون آية تنوعت أوجه أدائها إلا حاولوا بيان معاني هذه الأوجه والجمع بينها. وهذا أمر جلي في أقوالهم، ومن ذلك ما أورده الإمام الطبري ([8]) –رحمه الله – في تفسير هذه الآية حيث يقول: ”) فتلقى آدمُ (قيل إنه أخذ. وقيل أصله التفعُّل من اللقاء كما يتلقى الرجلُ الرجلَ؛ يستقبله عند قدومه من غيبة أو سفر. فكذلك ذلك في قوله) فتلقى (كأنه استقبله فتلقاه بالقبول حين أوحى إليه أو أخبر به، فمعنى ذلك إذا: فلقى اللهُ آدمَ كلمات توبة، فتلقاها آدمُ من ربه وأخذها عنه تائبا، فتاب الله عليه بقيله إياها وقبوله إياها من ربه ... -وأورد عن بعض مشايخه بسنده- قال: لقاهما هذه الآية) قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ((23:الأعراف)([9]).

ويظهر ذلك أيضا فيما أورده الإمام القرطبي ([10]) –رحمه الله – الذي تابع الإمام الطبري في بعض أقواله حيث قال في تفسير هذه الآية:

”) تلقى (قيل: معناه فهم وفطن، وقيل: قبل وأخذ. وكان عليه السلام يتلقى الوحي أي يستقبله ويأخذه ويتلقفه، تقول: خرجنا نتلقى الحجيج أي نستقبلهم. وقيل معنى تلقى: تلقن وهذا في المعنى صحيح ولكن لا يجوز أن يكون التلقي من التلقن في الأصل، لأن أحد الحرفين إنما يقلب ياء إذا تجانسا، مثل تظنى من تظنن، وتقصى من تقصص، ومثله تسريت من تسررت، وأمليت من أمللت وشبه ذلك. ولهذا لا يقال تقبى من تقبل، ولا تلقى من تلقن فاعلم. وحكى مكي أنه ألهمها فانتفع بها، وقال الحسن: قبولها تعلمه لها وعمله بها“ ([11]).

وجمعه بين أوجه القراءة يظهر في قوله: ” قرأ أبن كثير) فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ (والباقون برفع آدم ونصب كلمات. والقراءتان ترجعان إلى معنى؛ لأن آدم إذا تلقى الكلمات فقد تلقته. وقيل: لما كانت الكلمات هي المنقذة لآدم بتوفيق الله تعالى له لقبوله إياها ودعائه بها كانت الكلمات فاعلة، وكأن الأصل على هذه القراءة فتلقت آدمَ من ربه كلماتٌ، لكن لما بعد ما بين المؤنث وفعله حسن حذف علامة التأنيث وهذا أصل يجري في كل القرآن والكلام إذا جاء فعل المؤنث بغير علامة ومنه قولهم: حضر القاضي اليوم امرأة. وقيل: إن الكلمات لما لم يكن تأنيثه حقيقا حمل على معنى الكلم فذكر “ ([12]).

وانتهج الإمام البيضاوي ([13]) –رحمه الله– النهج نفسه حيث أشار إلى القراءات الواردة في هذه الآية الكريمة وذكر معنى كل وجه وزاد في بيان حقيقة الكلمات المذكورة في الآية الكريمة حيث قال: ” سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت“ ([14]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير