تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونحو ذلك فَعل ابن الهائم ([15]) في تفسير هذه الآية حيث قال: ”) فتلقى آدم (أي قبل وأخذ، وتلقّى تفعل من اللقاء، نحو تعدّى من العد. وقبل بمعنى استقبل، ومنه تلقى فلانٌ فلانا استقبله. ويتلقى الوحي أي يستقبله ويأخذه ويتلقفه ... وقال القفال ([16]): التلقي التعرض للقائم يوضع موضع القبول والأخذ، ومنه) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ((6:النمل) وتلقيت هذه الكلمة من فلان اتخذتها منه “ ([17]).

المسألة الثالثة: أثر القراءات في التفسير

المتأمل بعين البصيرة في هذه الآية الكريمة بقراءتيها يجد أنها قبس نور يلألئ درر المعاني القرآنية فتظهر مكتملة برّاقة مسلّّمة لا شية فيها، وهذا أمر يصدق على كل آيات القرآن الكريم وقراءاته المتواترة.

وهذه المعاني التي تظهرها الآية الكريمة بقراءتيها لا تُسْتَوف إلا بكلتا القراءتين؛ فالقراءة الأولى في هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى:) فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ (دلت على عظيم سعة رحمة الله سبحانه وتعالى وأنها وسعت كل شيء؛ فالله سبحانه وتعالى هو الذي أرسل هذه الكلمات إلى سيدنا آدم عليه وعلى نبينا أكمل الصلاة والسلام، ولعظيم أمرها أُسْنِد إليها الفعل، فكأنها دثار رحمة منقطع النظير يتحرك بذاته ليُدخِل سيدَنا آدمَ عليه السلام في كنفه، ويغمره بالرحمة الإلهية، فهذه الكلمات هي مصدر الرّحمة لسيدنا آدم عليه السلام.

أما القراءة الثانية وهي قوله تعالى:) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ (، فإنها تدل على امتثال سيدنا آدم عليه السلام لأمر الله سبحانه وتعالى، وأنه تلقى الكلمات الإلهية الكريمة بكل غبطة وسرور وإعزاز وتقدير، وعمل بمقتضاها. فهي هنا كأنها عين سلسبيل لا يدركها وصف عذوبة أو صفاء، تطهَّر بها سيدُنا آدم عليه السلام ونَهل من رحيقها المختوم وأخرج لؤلؤها المكنون، فحظي بالمغفرة الإلهية لعمله بها وامتثاله لأمرها، فعمله بها أساس رحمته.

فالقراءتان تظهران المعنى مكتملا دون نقص، ولا تنفصل إحداهما عن الأخرى؛ فالتوبة التي مَنَّ الله تعالى بها على سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام في قوله سبحانه وتعالى:] فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [كانت ثمرة لأمرين لا ينفصل أحدهما عن الآخر، الأول: رحمة الله سبحانه وتعالى وإرادته تعليم آدم هذه الكلمات وإرسالها إليه، والثاني: تلقي سيدنا آدم عليه السلام لهذه الكلمات وعمله بها.

فمن أحب أن تحل به رحمة الله وينال مرضاته ويكفر عنه سيئاته فما عليه إلا أن يعمل صالحا وفقا لقوله سبحانه وتعالى:) قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ ((156:الأعراف). وبذلك تكون هذه الآية الكريمة بقراءتيها بَيَّنََت شَرْطَي توبة الله على العبد، وأنه لابد من عمل العبد الذي يبرهن به صدق إيمانه واتباعه لأمر ربه. وهذا الكشف عن المعنى من كل جوانبه إن دل على شيء فإنما يدل على كمال بيان القرآن الكريم الذي لا يدرك شأوه مخلوق.

المبحث الثاني: قوله سبحانه وتعالى:

] وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [(83:البقرة).

المسألة الأولى: القراءات الواردة في هذه الآية الكريمة

تنوعت أوجه القراءة في قوله تعالى) حسنا (وهذا ما أظهره أهل هذا الشأن.

يقول ابن مجاهد: واختلفوا في قوله) وقولوا للناس حسنا (في ضم الحاء وسكون السين، وفتحها وفتح السين؛ فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ([18]) ونافع ([19]) وعاصم ([20]) وابن عامر ([21])) حُسْنا (بالضم والتسكين. وقرأ حمزة ([22]) والكسائي ([23])) حَسَنا (بالفتح ([24]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير